قول مريم العذراء عند ما أشارت إلى المولود «عيسى» وطلبت من أهلها أن يناطقوه أي يكلموه .. وقيل : كان المستنطق لعيسى زكريا ـ عليهالسلام ـ ويروى أن «يوسف النجار» احتمل مريم وابنها إلى غار فلبثوا فيه أربعين يوما حتى تعلت من نفاسها ثم جاءت تحمله فكلمها عيسى في الطريق .. وقال : يا أمي أبشري فإني عبد الله ومسيحه .. فلما دخلت به علي قومها وهم أهل بيت صالحون تباكوا وقالوا ما قالوا .. وقيل : هموا برجمها حتى تكلم عيسى ـ عليهالسلام ـ فتركوها .. فأشارت إليه ـ أي هو الذي يجيبكم إذا ناطقتموه .. وعن السدي : لما أشارت إليه غضبوا .. وقالوا : لسخريتها بنا أشد علينا من زناها! وروي أنه كان يرضع فلما سمع ذلك ترك الرضاع وأقبل عليهم بوجهه واتكأ على يساره وأشار بسبابته .. وقيل : كلمهم بذلك ثم لم يتكلم بعد ذلك حتى بلغ مبلغا يتكلم فيه الصبيان. وكلمة «جلودهم» في الآية المذكورة آنفا : جمع «جلد» والفرق بين جلد الإنسان وجسمه هو أن «الجلد» ظاهر البشرة وهو ما يغطي غشاء الجسد وقد يجمع «الجلد» إضافة إلى «الجلود» على «أجلاد» ومن هذا الجمع قيل : ما أشبه أجلاد فلان بأجلاد أبيه وأجلاد الإنسان وتجاليده : هي جسم الإنسان وأعضاؤه والجليد : هو كالصقيع يقال منه : جلدت الأرض ـ بالبناء للمجهول ـ إذا أصابها الجليد فهي مجلودة ـ اسم مفعول ـ ويجوز أن يؤتى بالفعل مبنيا للمعلوم فيقال جلدت الأرض ـ تجلد ـ جلدا وأجلدت : أي أصابها الجليد وتأتي لفظة «جليد» صفة لمن اتصف بالقوة والصبر فيقال : هذا رجل جليد : ذو قوة وصبر مأخوذ من جلد الرجل ـ يجلد ـ جلادة : أي كان ذا صلابة وقوة وشدة.
** (وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) : هذا القول الكريم هو آخر الآية الكريمة الثانية والعشرين المعنى : ولكن ظننتم توهما أن الله لا يعمل كثيرا مما ترتكبونه من المعاصي .. قال صاحب «التفسير الوجيز» وهذا إما من كلام الله أو من كلام الملائكة أو من كلام جلودهم التي أنطقها الله تعالى.
** سبب نزول الآية : نزلت الآية الكريمة في ثلاثة من القرشيين تساءلوا عن سماع الله كلامهم .. فقال أحدهم : إنا إذا رفعنا أصواتنا سمعها وإذا لم نرفعها لم يسمعها وقال آخر : إن سمع منها شيئا سمعه كله.
(فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ) (١٦)
(فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ) : الفاء استئنافية تفيد التسبيب والتعليل هنا. أرسل : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الواحد المطاع و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. على : حرف جر و «هم» ضمير الغائبين المتصل في محل جر بعلى.
(رِيحاً صَرْصَراً) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. صرصرا : صفة ـ نعت للموصوف «ريحا» منصوب مثله وعلامة نصبه الفتحة المنونة والجار والمجرور «عليهم» متعلق بأرسل.