كانوا يصفونهم بالتمييز جهلا وغباوة وجاء وصفهم بترك الاستجابة والغفلة من باب التهكم أي الاستهزاء بالأصنام. وجاء الخبر «أضل» غير منون لأنه على وزن أفعل ـ صيغة تفضيل ومن وزن الفعل ولهذا لم ينون آخره .. وجاء الفعل يستجيب بصيغة الإفراد على لفظ «من» الاسم الموصول وبصيغة الجمع في «هم عن دعائهم غافلون» على معنى «من» لا على لفظه لأن «من» مفرد لفظا مجموع معنى. وقوله : غافلون .. أي والأصنام غافلون عن دعائهم أي دعاء المشركين وعبادتهم لأن الأصنام جمادات لا تعي ولا تدرك ولا تسمع وهذه الجملة جاءت تعليلا لما قبلها.
** (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة التاسعة المعنى : قل لهم يا محمد لست أنا أول رسول لا مثيل له أو لا مثال له في العالم أي لم يسبقني غيري من الرسل لكل أمة حتى تستغربوا رسالتي أو لم يتقدمني رسول قال مثل قولي أو مبدعا أي قلت ما لم يقله غيري وما أدري ما ذا يفعل الله بي في الدنيا ولا ما يفعل بكم. والأصل وما يفعل بكم فحذف الموصول وصلته لذكره أول مرة لأن الجملة الثانية لو عطفت على صلة الأولى لم يكن لدخول حرف النفي معنى .. ومنه قول الشاعر حسان بن ثابت :
فمن يهجو رسول الله منكم |
|
ويمدحه وينصره سواء |
أي ومن يمدحه وينصره وهذا البيت من الشعر الذي حذف الاسم الموصول «من» في شطره هو مثل من يشير إلى بيت الفرزدق :
فقلت له لما تكشر ضاحكا |
|
وقائم سيفي من يدي بمكان |
تعال فإن عاهدتني لا تخونني |
|
نكن مثل من يا ذئب يصطحبان |
و «تكشر» بمعنى أبدى أنيابه وكشف عن أسنانه ولله در أبي الطيب المتنبي حيث يقول :
إذا رأيت نيوب الليث بارزة |
|
فلا تظنن أن الليث يبتسم |
وصف الفرزدق ذئبا أتاه وهو في القفر «الخلاء من الأرض» ووصف حاله معه وأنه أطعمه وألقى إليه ما يأكله. وقوله : «وقائم سيفي من يدي بمكان» أي مكان وأي مكان .. أراد أن يظهر تجلده وشجاعته وتصلبه وحماسته ولكن اتفق له كثيرا عدم مساعدة القدر .. وفي رواية : تعش الخطاب للذئب : أي كل العشاء وهو طعام الليل فإن عاهدتني بعد أن تتعشى على أن لا تخونني كنا مثل رجلين يصطحبان. وثناه على معنى «من».
** (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة العاشرة .. وعلى مثله : أي على حالة كون القرآن الكريم من عند الله فصدق به وتكبرتم .. أي وشهد شاهد من علماء بني إسرائيل على وجود مثل معاني القرآن المصدقة له في التوراة على أن القرآن حق يدعو إلى التوحيد فحذف المضاف «علماء» وحل محله المضاف إليه «بني» وهذا الشاهد هو من كبار أحبار اليهود وهو عبد الله بن سلام وأسلم وشهد أن القرآن حق .. ومن هذا القول الكريم انطلق المثل الشهير «وشهد شاهد من أهلها» يروى أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لما قدم المدينة نظر عبد الله بن سلام إلى وجه الرسول الكريم ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فعلم أنه ليس بوجه كذاب ـ كما زعم المشركون ـ لعنهم الله وتأمله فتحقق أنه هو النبي المنتظر وقال له : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي : ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ وما بال الولد ينزع ـ إلى أبيه ـ أي يشبهه ـ أو