إطلاق اسم المسبب على السبب وفي قوله (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) فسمي جزاء الجهل جهلا للمشاكلة أو لازدواج الكلام. وصف رجل عند الحجاج ذات يوم بالجهل وكانت له إليه حاجة فقال في نفسه : لأختبرنه .. ثم قال له حين دخل عليه : أعصامي أنت أم عظامي؟ يريد أشرفت بنفسك أم تفتخر بآبائك الذين صاروا عظاما؟ فقال الرجل : أنا عصامي وعظامي! فقال الحجاج : هذا أفضل الناس .. وقضي حاجته وزاده ومكث عنده مدة ثم ناقشه فوجده أجهل الناس فقاله له : تصدقني وإلا قتلتك. قال له : قل ما بدا لك وأصدقك. قال : كيف أجبتني بما أجبت لما سألتك عما سألتك؟ قال له : والله لم أعلم أعصامي خير أم عظامي فخشيت أن أقول أحدهما فأخطئ فقلت : أقول كليهما فإن ضرني أحدهما نفعني الآخر. وكان الحجاج ظن أنه أراد أنا أفتخر بنفسي لفضلي وبآبائي لشرفهم. فقال الحجاج عند ذلك : المقادير تصير العي خطيبا. و «العي» اسم فاعل للفعل «عيي» نحو : عيي الرجل في النطق يعيى عيا : أي حصر : بمعنى : ضاق واستحيا.
** (فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ) : هذا القول الكريم ورد في الآية الكريمة السادسة والعشرين .. المعنى : فما نفعهم سمعهم .. أي أسماعهم وقد جاء بصيغة الافراد لأنه مصدر يستوي فيه الواحد والجمع .. يقال : غني ـ يغنى ـ غنى .. من باب «صدي» بمعنى : كثر ماله وكان ذا وفر وأغنى الرجل : إغناء : بمعنى : جعله غنيا وأغنى عنه : كفاه ويقال ما يغني عنك هذا : بمعنى ما يجدي عنك هذا أي ما ينفع. وأغناه : بمعنى : جعله غنيا قال تعالى في سورة «الضحى» : (وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) بمعنى فوجدك فقيرا فأغناك وقد حذف الكاف ـ ضمير المخاطب ـ وهو مفعول «أغنى» استغناء بذكره من قبل ومراعاة لفواصل الآيات. قال الشاعر :
عطائي عطاء المكثرين تجملا |
|
ومالي ـ كما قد تعلمين ـ قليل |
وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى |
|
ورأي أمير المؤمنين جميل |
سأل رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أصحابه يوما قال : أتدرون من المفلس؟ قالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من سيئاته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار «صدق رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ.
** (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السابعة والعشرين .. المعنى : ولقد أهلكنا ما كان جواركم يا أهل مكة من أهل القرى ـ بدليل قوله «لعلهم يرجعون» وكررنا الآيات على وجوه شتى ليثوبوا إلى الله فلم يفعلوا وحذف المضاف «أهل» وأقيم المضاف إليه «مقامه».
** (فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ) : جاء هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثامنة والعشرين .. القربان : هو كل ما يتقرب به إلى الله تعالى من ذبيحة وغيرها. وهو يجمع على قرابين .. يقال : قربت إلى الله قربانا. وهو مثل «القربة» بضم القاف. قال أبو عمرو بن العلاء : للقريب في اللغة معنيان : أحدهما : قريب قرب فيستوي فيه المذكر والمؤنث .. نحو : زيد قريب منك وهند قريب منك لأنه من قرب المكان والمسافة فكأنه قيل : هند موضعها قريب كقوله تعالى في سورة «الأعراف» : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ