الجارحة ـ العضو .. أي الأنف ـ واللفظة «آنفا» منصوبة على الظرفية ولا تضاف أو تعرف بالألف واللام أي من الصحيح أن يقال : إن الموضوع المذكور آنفا .. أو قبل هذا الوقت أفصح من قولنا : إن الموضوع آنف الذكر أو الآنف الذكر لأن لفظة «المذكور» تكون صفة للموضوع ولأن لفظة «آنفا» يجب أن تكون نكرة منونة. ويقال : أنف الرجل من الشيء يأنف ـ أنفا .. والاسم «الأنفة» بمعنى : استنكف وترفع وتنزه عنه فهو أنوف ـ فعول بمعنى فاعل. والفعل من باب «طرب» وهو أنف أيضا وهذه اللفظة تطلق على البعير الذي يشكو أنفه من البرة أي الحلقة وجاء في الحديث : «المؤمن كالجمل الأنف إن قيد انقاد وإن أنيخ على صخرة استناخ» نقله الجوهري وذلك للوجع الذي به فهو ذلول ـ فعول بمعنى مفعول ـ منقاد. ومثل «آنفا» سالفا. وعلى ذكر «الأنف» يقال : دس فلان أنفه في الشيء .. كناية عن معنى : أدخله فيه وأخفاه .. من أسماء الأنف : المعطس ـ بفتح الميم وكسر الطاء ـ و «المنخر» بفتح الميم وكسرها وفتح الخاء وكسرها .. وهو حاسة الشم أو عضو حاسة الشم. و «الأنفة» عزة النفس .. ويقال : مات الرجل حتف أنفه : أي موتا طبيعيا.
** (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) : المعنى : أغلق الله قلوبهم عن الفهم والإدراك والطبع على الشيء والختم عليه بمعنى واحد والشيء لا يختم إلا بعد إغلاقه.
** سبب نزول الآية : نزلت هذه الآية الكريمة في شأن المنافقين الذين كانوا يسمعون كلام النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فلا يعونه ـ أي يدركونه أو يفهمونه ـ فإذا خرجوا سألوا المؤمنين : ما ذا قال آنفا؟
** (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ) : ورد هذا القول الكريم في آخر الآية الكريمة العشرين و «أولى لهم» على وزن ـ أفعل ـ من الولي : وهو القريب ومعناه : فويل لهم أي الدعاء عليهم بأن يليهم المكروه وفي الكلمة وعيد وتهديد وهي لفظة تهديد عند العرب معناها : فهلاك قريب الحصول لهم .. أي أصابهم الله بالمكروه واللفظة مشتقة من «الولى» وهو القريب فيكون دعاء عليهم بأن يقرب منهم المكروه أو مشتقة من «آل» فيكون دعاء عليهم بأن يؤول أمرهم إلى المكروه.
** (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الحادية والعشرين .. المعنى : فإذا جد الأمر .. والعزم والجد لأصحاب الأمر وإنما يسندان إلى الأمر إسنادا مجازيا بمعنى : فإذا عزم أصحاب الأمر مثل قوله تعالى : (إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) أي من عزم أصحاب الأمور.
** (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية والعشرين وفيه نقل الكلام من الغيبة في الآية الكريمة السابقة «فلو صدقوا الله ..» إلى الخطاب «عسيتم .. توليتم .. تفسدوا .. تقطعوا أرحامكم» على طريقة الالتفات ـ وهو ضرب من ضروب البلاغة العربية ـ ليكون أبلغ في التوكيد بمعنى : هل يتوقع منكم؟
** (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثالثة والعشرين وفيه حذف النعت أو البدل المشار إليه أي «أولئك» المفسدون الظالمون المتخلفون عن الجهاد المقطعون الأرحام هم الذين لعنهم الله فأصم آذانهم عن استماع الحق.
(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) (١٥)