** (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الأولى .. المعنى : يا أيها المؤمنون لا تقدموا أمرا أي لا تقدموا على التلبس بهذا الفعل وحذف مفعول «تقدموا» وهو «أمرا» لكي يذهب الوهم إلى كل ما يمكن أو لا تقطعوا أمرا ولا تقرروا في مسألة حكما قبل أن يحكم الله ورسوله أما قوله «بين يدي الله» فهو من ضروب المجاز .. يقال : جلس فلان بين يدي فلان : بمعنى : جلس من جهتي يمينه وشماله : أي قريبا منه.
** سبب نزول الآية : أخرج البخاري وغيره عن عبد الله بن الزبير قال : «قدم ركب من بني تميم على النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال أبو بكر : أمر القعقاع بن معبد وقال عمر : أمر الأقرع بن حابس فقال أبو بكر : ما أردت إلا خلافي .. فقال عمر : ما أردت خلافك .. فتماريا ـ أي فتجادلا ـ حتى ارتفعت أصواتهما فأنزل الله تعالى هذه الآية.
** (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثانية .. المعنى : خفضوا أصواتكم وأنتم في حضرة النبي ـ محمد ـ تأدبا ولا تقولوا له : يا محمد يا أحمد بل خاطبوه بالنبوة ـ أي يا نبي الله ـ أو بالرسالة ـ أي يا رسول الله ولا تخاطبوه مخاطبة بعضكم لبعض .. في هذا القول الرباني تتجلى منزلة الرسول الكريم محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لدى خالق الكائنات جلت قدرته. و «أصوات» نصبت بالفتحة على الرغم من أن لفظها يدل على الملحق بجمع المؤنث السالم مثل «اجتماعات» «اقتراحات» وسبب ذلك هو أن مفردها مذكر ثلاثي و «الصوت» هو جرس الكلام ـ بفتح الجيم وسكون الراء ـ و «الجرس» هو الكلام الخفي .. يقال : فلان لا يسمع له جرس ولا همس .. وسمعت جرس الطير : بمعنى صوت مناقيرها على شيء تأكله .. وفي الحديث : «فيسمعون جرس طير الجنة» و «الجرس» بفتح الجيم وسكون الراء وكسر الجيم أيضا .. أما «الجرس» بفتح الجيم والراء فهو الذي يعلق فوق الباب أو في عنق البعير .. يقال : جرس ـ بفتح الجيم والراء ـ المطرب الغناء وجرس الرجل الكلام : بمعنى : نغم به. والصوت هو لفظة مذكرة. أما قول الشاعر رويشد بن كثير الطائي :
يا أيها الراكب المزجي مطيته |
|
سائل بني أسد ما هذه الصوت |
فإنما أنث «الصوت» ذهابا إلى معنى «الاستغاثة» أو «الصيحة» أي ما هذه الصيحة؟ قال الفيومي : كثيرا ما تفعل العرب مثل ذلك إذا ترادف المذكر والمؤنث على معنى واحد أو مسمى واحد فتقول : أقبلت العشاء على معنى : أقبلت العشية .. وفي هذه العشية : على معنى : في هذا العشاء .. وفعله : صات يصوت ـ صوتا .. من باب «قال» وصوت تصويتا : أي أحدث صوتا .. وبمعنى : نادى .. ومنه القول : صوت الناخبون في الانتخابات : أي أعطوا أصواتهم للمرشح الذي يختارونه واسم الفاعل للفعل «صات» هو صائت .. وللفعل «صوت» هو مصوت .. ويقال له : صائت : إذا أطلق صيحة : أي إذا صاح .. و «الصيت» هو الذكر الجميل في الناس .. و «الصيت» بتشديد الياء من صيغ المبالغة «فعيل بمعنى فاعل ـ نحو : هذا رجل صيت : بمعنى : قوي الصوت شديده.
** (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثالثة .. أي ان الذين يخفضون أصواتهم في حضرة رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أولئك هم الذين عرف الله تعالى أن قلوبهم جديرة بالتقوى وهذا القول الكريم فيه تأديب لفظ كرامة الوحي والموحى إليه. و «التقوى» هي الاسم من الفعل «وقى» نحو : وقاه الله