وقيل : سميت الغنيمة فيئا لرجوعها من الكفار إلى المسلمين .. والظل يسمى فيئا لرجوعه بعد إزالة الشمس له .. وكما أن الظل سمي فيئا فإن الجهة التي يواريها عنك الشخص بظله من خلف أو قدام تسمى وراء وتأتي لفظة «وراء» بمعنى «أمام» كقوله تعالى في سورة «الجاثية» : «ومن ورائهم جهنم» أي أمامهم لأنهم في الدنيا .. ويقال : ظل زيد قائما : بمعنى أتى عليه النهار وهو قائم وبات نائما : إذا أتى عليه الليل وهو نائم.
** سبب نزول الآية : نزلت هاتان الآيتان الكريمتان التاسعة والعاشرة في طائفتين من بني الأوس والخزرج من سكان المدينة اقتتلوا عقب نزاع فكره الله منهم ذلك ونصحهم هذه النصيحة .. وفي رواية أن الآية الكريمة التاسعة نزلت في رجلين من الأنصار تنازعا في حق بينهما واستعان كل منهما بعشيرته فتدافعا فتناول بعضهم بعضا بالأيدي والجريد والنعال لا بالسيوف.
** (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الحادية عشرة .. و «خيرا» بمعنى «أفضل» وهي بمعنى التفضيل لأن أصلها : أخير فحذف الألف طلبا للفصاحة ولأنها بمعنى التفضيل فإنها لا تثنى ولا تجمع ويستوي فيها المذكر والمؤنث فنقول فلان خير الناس وهما خير الناس وهم وهن خير الناس وفلانة خير الناس ولا يقال : خيرة الناس ولا أخيرهم ويؤكد ذلك قوله تعالى في الآية الكريمة المذكورة .. وتعلمنا الآية فتقول : ينبغي أن يعتقد الناس أن المسخور منه ربما كان عند الله خيرا من الساخر .. لأن الناس لا يطلعون إلا على ظواهر الأحوال ولا علم لهم بالخفيات .. وإنما الذي يزن عند الله تعالى هو خلوص الضمائر وتقوى القلوب .. ولذلك وكما أمرتنا الآية الكريمة ينبغي أن لا يجترئ أحد على الاستهزاء بمن تقتحمه عينه إذا رآه رث الثياب أو الحال أو ذا عاهة في بدنه أو كان غير لبق ـ يعني غير لين ـ في محادثته فلعله أخلص ضميرا وأتقى قلبا ممن هو على ضد صفته فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله عزوجل والاستهانة بمن عظمه الله تعالى. وعن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أنه خطب فرفع صوته حتى أسمع العواتق في خدورهن قال : يا معشر من آمن بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه لا تتبعوا عورات المسلمين فإن من تتبع عورات المسلمين يتتبع الله عورته حتى يفضحه ولو في جوف بيته. «صدق رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ».
وقد جاء في الشعر العربي قول الشاعر بهذا المعنى :
لسانك لا تذكر به عورة امرئ |
|
فكلك عورات وللناس ألسن |
وقد بلغ بالسلف الصالح إفراط توقيهم وتصونهم من السخرية والاستهزاء بالآخرين أن عمرو بن شرحبيل قال : لو رأيت رجلا يرضع عنزا فضحكت منه خشيت أن أصنع مثل الذي صنعه. وقوله تعالى : (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ») على سبيل التتبع لأن قوم كل نبي رجال ونساء.
** سبب نزول الآية : نزلت الآية الكريمة في وفد بني تميم الذين نزلت السورة بشأنهم استهزءوا بفقراء الصحابة لما رأوا رثاثة حالهم فنزلت في الذين آمنوا منهم.
** (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) : المعنى : لا يعب أو يطعن بعضكم بعضا ولا تتعايروا بألقاب السوء .. أي ويطعن بعضكم بلسانه بعضا ويدع بعضكم بعضا بلقب السوء. و «اللقب» هو النبز ومنه : نبزه ـ ينبزه ـ نبزا .. من باب «ضرب» بمعنى : لقبه .. واللقب : جمعه : ألقاب وقد يجعل اللقب علما من غير نبز فلا يكون حراما ـ كما يقول الفيومي ـ ومنه تعريف بعض الأئمة المتقدمين بالأعمش والأخفش والأعرج ونحوه .. لأنه لا يقصد بذلك