كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (٢) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)(١).
والمتتبع للقرآن يجد الارتفاع الشامخ الذي يتّصف به أسلوبه وضوحا وقوّة وجمالا. إسمع هذا الوضوح والقوة والجمال (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٨) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ)(٢)(هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩) يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (٢٠) وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١) كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ)(٣)(يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)(٤).
والقرآن طراز خاص من التعبير ، ونظمه ليس على منهاج الشعر الموزون المقفّى ، ولا هو على منهاج النثر المرسل ، ولا هو على منهاج النثر المزدوج أو النثر المسجوع ، وإنما هو منهاج قائم بذاته لم يكن للعرب عهد به ولا معرفة من قبل.
وكان العرب لفرط تأثّرهم بالقرآن لا يدرون من أيّ ناحية وصل إلى هذا الإعجاز. فصاروا يقولون (إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ)(٥) ويقولون إنه قول شاعر وإنه قول كاهن. ولذلك ردّ عليهم الله فقال : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ (٤١) وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ)(٦).
وكون القرآن طراز خاص ونسيج منفرد واضح فيه كل الوضوح. فبينما تجده يقول : (وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ)(٧) ويقول :
__________________
(١) الحجر / ٢ ـ ٣.
(٢) الحج / ٨.
(٣) الحج / ١٩ ـ ٢٢.
(٤) الحج / ٧٣.
(٥) يونس / ٧٦.
(٦) الحاقة / ٤١ ـ ٤٢.
(٧) التوبة / ١٤.