فقلت : أنشدتني (من بائس) فقال يابس وبائس واحد. وعن أحمد بن يحيى قال : أنشدني ابن الأعرابي ، قال :
وموضع زبن لا أريد مبيته |
|
كأنّي به من شدّة الرّوع آنس |
فقال له شيخ من أصحابه : ليس هكذا أنشدتنا ، وإنما أنشدتنا : وموضع ضيق. فقال : سبحان الله ؛ تصحبنا منذ كذا وكذا ولا تعلم أن الزبن والضيق واحد (١).
وقد حصل ذلك في القرآن في الاستغناء ببعض الألفاظ عما يرادفها أو يقاربها مثل القراءات في القرآن (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ملك يوم الدّين (٢)(وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) وما يخادعون إلّا أنفسهم (٣)(لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً) لنثوينّهم من الجنّة غرفا (٤) وغير ذلك من الآيات بحسب القراءات.
ومن شأن العرب الالتزام بالألفاظ بعينها حين يكون هنالك قصد من التعبير بها. فإنه يروى أن أحد الرواة حين أنشد :
لعمرك ما دهري بتأبين مالك |
|
ولا جزع ممّا أصاب فأوجعا |
فوضع كلمة هالك بدل مالك فقال (لعمرك ما دهري بتأبين هالك) غضب وقال : الرواية مالك وليس بهالك والمرثيّ هو مالك لا مطلق شخص هالك.
__________________
(١) الخصائص : ج ٢ ص ٤٦٧.
(٢) الفاتحة / ١. القراءتان مرويتان عن النبي صلىاللهعليهوسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وأم سلمة ذكرها الترمذي في الجامع الصحيح. أما قراءة (ملك يوم الدّين) فعن أم سلمة ، وقال الترمذي هذا حديث غريب وليس بمتصل : الحديث (٢٩٢٧). أما قراءة (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) : الحديث (٢٩٢٨) عن أنس. ينظر : الجامع لأحكام القرآن للقرطبي : ج ١ ص ١٤٠.
(٣) البقرة / ٩. قرأ عاصم وحمزة والكسائي وابن عامر (يَخْدَعُونَ) وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو (يُخادِعُونَ). الجامع لأحكام القرآن : ج ١ ص ١٩٦.
(٤) العنكبوت / ٥٨. في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي : ج ١٣ ص ٣٥٩ ؛ قال القرطبي : وقرأ ابن مسعود والأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي (لنثوينّهم) بالثاء مكان الباء من الثوى وهو الإقامة ؛ أي لنعطينهم غرفا يثوون فيها.