بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد
تفسير سورة الشعراء
وهي مكّيّة كلّها في قول الجمهور
(طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) (٤)
قوله تعالى : (طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ* لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) تقدم الكلام على الحروف التي في أوائل السور ، والباخع : القاتل والمهلك نفسه بالهم ، والخضوع للآية المنزلة إمّا لخوف هلاك كنتق الجبل على بني إسرائيل ، وإمّا لأجل الوضوح وبهر العقول ، بحيث يقع الإذعان لها. والأعناق الجارحة المعلومة ، وذلك أنّ خضوع العنق والرقبة هو علامة الذلة والانقياد.
وقيل : المراد بالأعناق جماعتهم ؛ يقال : جاء عنق من الناس ، أي : جماعة.
(وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٦) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (٩)
وقوله تعالى : (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ* فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِ زَوْجٍ كَرِيمٍ) تقدم تفسير هذه الجملة فانظره في محلّه ، وقوله تعالى : (فَسَيَأْتِيهِمْ) وعيد بعذاب الدنيا كبدر وغيرها ، ووعيد بعذاب الآخرة ، والزوج : النوع والصنف ، والكريم : الحسن المتقن قاله مجاهد (١) وغيره.
وقوله تعالى : (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) حتم على أكثرهم بالكفر ، ثم توعّد تعالى بقوله : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) أي : عزيز في انتقامه من الكفار ، رحيم بأوليائه المؤمنين.
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٤ / ٢٢٦)