تفسير سورة النّور
وهي مدنيّة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢) الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (٣)
قوله تعالى : (سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها ...) الآية معنى «فرضنا» : أوجبنا وأثبتنا ، وقال الثعلبيّ والواحديّ : (فَرَضْناها) أي : أوجبنا ما فيها من الأحكام ، انتهى ، وقال البخاريّ (١) : قال ابن عباس (٢) : (سُورَةٌ أَنْزَلْناها) : بيّنّاها ، انتهى. وما تقدم أبين.
ص : (فَرَضْناها) الجمهور : بتخفيف الراء أي : فرضنا أحكامها ، وأبو عمرو وابن كثير : بتشديد الراء : إما للمبالغة في الإيجاب ، وإما لأنّ فيها فرائض شتّى ، انتهى. والآيات البيّنات : أمثالها ومواعظها وأحكامها.
وقوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ...) الآية ، هذه الآية ناسخة لآية الحبس باتّفاق ، وحكم المحصنين منسوخ بآية الرجم والسنّة المتواترة على ما تقدّم في سورة النساء ، وقرأ الجمهور (٣) : «رأفة» بهمزة ساكنة ؛ من رأف إذا رقّ ورحم ، والرأفة المنهيّ عنها هي [في] (٤) إسقاط الحدّ ، أي : أقيموه ولا بدّ ، وهذا تأويل ابن عمر (٥) وغيره.
__________________
(١) ينظر : البخاري (٨ / ٣٠١) كتاب التفسير : باب سورة النور.
(٢) أخرجه الطبريّ (٩ / ٢٥٦) برقم (٢٥٧٠٦) ، وذكره السيوطي (٥ / ٣٦) ، وعزاه لابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حارثة عن ابن عباس.
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ١٦١) ، و «البحر المحيط» (٦ / ٣٩٤) ، و «الدر المصون» (٥ / ٢٠٨)
(٤) سقط في ج.
(٥) أخرجه الطبريّ (٩ / ٢٥٦) برقم (٢٥٧٠٩ ، ٢٥٧١٠) ، وذكره البغوي (٣ / ٣٢١) ، وذكره ابن عطية (٤ / ١٦١) ، وابن كثير (٣ / ٢٦١ ، ٢٦٢) ، والسيوطي (٥ / ٣٧) ، وعزاه لعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.