وقوله تعالى : (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ ...) الآية ، قالت فرقة : ذلك بحسب ما تقتضيه العناية بالمملكة والتهمّم بكل جزء منها ، وهذا ظاهر الآية أنّه تفقّد جميع الطير ، وقالت فرقة : بل تفقّد الطير ؛ لأنّ الشمس دخلت من موضع الهدهد ؛ فكان ذلك سبب تفقد الطير ؛ ليبين من أين دخلت الشمس ، وقال عبد الله بن سلام : إنما طلب الهدهد ؛ لأنه احتاج إلى معرفة الماء ؛ على كم هو من وجه الأرض ؛ لأنه كان نزل في مفازة عدم فيها الماء ، وأن الهدهد كان يرى باطن الأرض وظاهرها ؛ فكان يخبر سليمان بموضع الماء ، ثم كانت الجنّ تخرجه في ساعة ، وقيل غير هذا ؛ والله أعلم بما صح من ذلك. ثم توعد ـ عليهالسلام ـ الهدهد بالعذاب ؛ فروي عن ابن عباس وغيره : أن تعذيبه للطير كان بنتف ريشه (١). والسلطان : الحجة ؛ حيث وقع في القرآن [العظيم] ؛ قاله ابن (٢) عباس. وفعل سليمان هذا بالهدهد إغلاظا على العاصين ؛ وعقابا على إخلاله بنبوته ورتبته ، والضمير في (فَمَكَثَ) يحتمل أن يكون لسليمان أو للهدهد ، وفي قراءة ابن مسعود (٣) «فتمكث ثم جاء فقال» وفي قراءة أبيّ (٤) «فتمكث ثم قال أحطت».
ت : وهاتان القراءتان تبيّنان أن الضمير في «مكث» للهدهد ؛ وهو الظاهر أيضا في قراءة الجماعة ، ومعنى مكث : أقام.
وقوله : (غَيْرَ بَعِيدٍ) يعني : في الزمن.
وقوله : (أَحَطْتُ) أي : علمت.
وقرأ الجمهور (٥) «سبأ» بالصرف على أنه اسم رجل ؛ وبه جاء الحديث عن النبي صلىاللهعليهوسلم من حديث فروة بن مسيك وغيره ، سئل ـ عليهالسلام ـ عن سبإ فقال : «كان رجلا له عشرة من الولد تيامن منهم ستّة وتشاءم أربعة» (٦). ورواه الترمذيّ من طريق فروة بن
__________________
(١) أخرجه الطبريّ (٩ / ٥٠٦) رقم (٢٦٩١١) ، وذكره ابن عطية (٤ / ٢٥٥) ، وابن كثير (٣ / ٣٦٠) ، والسيوطي (٥ / ١٩٧) ، وعزاه لعبد الرزاق ، والفريابي ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر ، والحاكم عن ابن عباس.
(٢) أخرجه الطبريّ (٩ / ٥٠٧) رقم (٢٦٩٢٤) ، وذكره ابن عطية (٤ / ٢٥٥) ، والسيوطي (٥ / ١٩٧) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن جرير عن عكرمة ، قال : قال ابن عباس.
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٢٥٥)
(٤) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٢٥٥)
(٥) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٢٥٥) ، و «البحر المحيط» (٧ / ٦٣)
(٦) أخرجه الترمذيّ (٥ / ٣٦١) كتاب التفسير : باب ومن سورة سبأ ، حديث (٣٢٢٢) من حديث فروة بن مسيك.
وقال الترمذيّ : هذا حديث حسن غريب.
وسيأتي تخريجه بأوسع من هنا في سورة سبأ.