من قول الله تعالى معرّفا لمحمّد عليهالسلام وأمّته بذلك (١).
(وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ ...) الآية ، روي أن بلقيس قالت لقومها : إني أجرّب هذا الرجل بهدية فيها نفائس الأموال ، فإن كان ملكا دنيويّا أرضاه المال ؛ وإن كان نبيّا لم يقبل الهدية ، ولم يرضه منّا إلا أن نتّبعه على دينه ، فينبغي أن نؤمن به ، ونتبعه على دينه ، فبعثت إليه بهدية عظيمة.
(فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ (٣٧) قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩) قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (٤٠) قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (٤١) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) (٤٢)
وقوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ) يعني : رسل بلقيس ، وقول سليمان : (ارْجِعْ) خطاب لرسلها ؛ لأن الرسول يقع على الجمع والإفراد والتذكير والتأنيث. وفي قراءة ابن مسعود (٢) : «فلما جاءوا سليمان» وقرأ «ارجعوا» ، ووعيد سليمان لهم مقترن بدوامهم على الكفر ، قال البخاري : (لا قِبَلَ لَهُمْ بِها) : أي : لا طاقة لهم ، انتهى. ثم قال سليمان ب لجمعه / (يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها).
قال ابن زيد : وغرضه في استدعاء عرشها ؛ أن يريها القدرة التي من عند الله وليغرب (٣) عليها ، و (مُسْلِمِينَ) في هذا التأويل بمعنى : مستسلمين ، ويحتمل أن يكون بمعنى الإسلام.
وقال قتادة : كان غرض سليمان عليهالسلام أخذه قبل أن يعصمهم الإسلام ؛ فالإسلام على هذا التأويل يراد به الدين (٤).
__________________
(١) أخرجه الطبريّ (٩ / ٥١٥) رقم (٢٦٩٦٠) ، وذكره ابن عطية (٤ / ٢٥٨) ، وابن كثير (٣ / ٣٦٢) ، والسيوطي (٥ / ٢٠٢) ، وعزاه لابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(٢) ينظر : «الكشاف» (٣ / ٣٦٦) ، و «البحر المحيط» (٧ / ٧١) ، و «المحرر الوجيز» (٤ / ٢٥٩) ، و «الدر المصون» (٥ / ٣١٣)
(٣) ذكره ابن عطية (٤ / ٢٦٠)
(٤) أخرجه الطبريّ (٩ / ٥٢١) رقم (٢٦٩٨٠) بنحوه.