رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢) وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٤) إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (١٥)
وقوله تعالى : (وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ) أي : تلفنا وتقطّعت أوصالنا ، فذهبنا في التراب حتّى لم نوجد ؛ (إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) أي : أنخلق بعد ذلك خلقا جديدا ؛ إنكارا منهم للبعث واستبعادا له ، و (يَتَوَفَّاكُمْ) معناه يستوفيكم ؛ روي عن مجاهد : أن الدنيا بين يدي ملك الموت كالطّست بين يدي الإنسان يأخذ من حيث أمر (١).
وقوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ) الآية تعجيب لمحمّد عليهالسلام وأمته من حال الكفرة ، وما حلّ بهم ، وجواب (لَوْ) محذوف ؛ لأنّ حذفه أهول في النفوس ، وتنكيس رؤوسهم هو من الذل واليأس والهمّ بحلول العذاب. وقولهم (أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا) أي : ما كنا نخبر به في الدنيا ، ثم طلبوا الرجعة حين لا ينفع ذلك. ثمّ أخبر تعالى عن نفسه أنّه لو شاء لهدى الناس أجمعين ؛ بأن يلطف بهم لطفا يؤمنون به ، ويخترع الإيمان في نفوسهم ، هذا مذهب أهل السنّة ، و (الْجِنَّةِ) : الشياطين ، و (نَسِيتُمْ) معناه : تركتم ؛ قاله ابن عباس (٢) وغيره.
وقوله : (إِنَّا نَسِيناكُمْ) سمّى العقوبة باسم الذنب. ثم أثنى سبحانه على القوم الذين يؤمنون بآياته ، ووصفهم بالصفة الحسنى من سجودهم عند التذكير ، وتسبيحهم وعدم استكبارهم.
(تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٧) أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (١٨) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٩) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٠) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢١) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) (٢٢)
__________________
(١) أخرجه الطبريّ (١٠ / ٢٣٦) رقم (٢٨٢١٦) ، وذكره البغوي (٣ / ٤٩٩) ، وابن عطية (٤ / ٣٦٠) ، وابن كثير (٣ / ٤٥٨)
(٢) أخرجه الطبريّ (١٠ / ٢٣٧) رقم (٢٨٢٢١) ، وذكره ابن عطية (٤ / ٣٦١)