وقرأت فرقة : «لننسفنّه» بكسر السين (١) ، وقرأت فرقة بضمها ، والنّسف : تفريق الريح الغبار ، وكل ما هو مثله ؛ كتفريق الغربال ونحوه ، فهو نسف ، و (الْيَمِ) : غمر الماء من بحر أو نهر ، وكل ما غمر الإنسان من الماء فهو يمّ ، واللام في قوله (لَنُحَرِّقَنَّهُ) لام قسم ، وقال مكي (رحمهالله تعالى) : وأسند أن موسى عليهالسلام كان مع السبعين في المناجاة ، وحينئذ وقع أمر العجل ، وأن الله تعالى أعلم موسى بذلك ، فكتمه موسى عنهم ، وجاء بهم حتى سمعوا لغط بني إسرائيل حول العجل ، فحينئذ أعلمهم.
قال ع (٢) : وهذه رواية ضعيفة ، والجمهور على خلافها ، وإنما تعجل موسى عليهالسلام وحده فوقع أمر العجل ، ثم جاء موسى ، وصنع ما صنع بالعجل ، ثم خرج بعد ذلك بالسّبعين على معنى الشفاعة في ذنب بني إسرائيل ، وأن يطلعهم أيضا على أمر المناجاة ، فكان لموسى عليهالسلام نهضتان ، والله أعلم.
(كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (٩٩) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (١٠٠) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً (١٠١) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (١٠٢) يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً (١٠٣) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً) (١٠٤)
وقوله سبحانه : (كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ) مخاطبة / لنبينا محمد صلىاللهعليهوسلم أي كما قصصنا عليك نبأ بني إسرائيل ، كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق مدّتك ، والذّكر : القرآن.
وقوله : (مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ) يريد بالكفر به ، و (زُرْقاً) قالت فرقة معناه : يحشرون أول قيامهم سود الألوان ، زرق العيون ، فهو تشويه ، ثم يعمون بعد ذلك ، وهي مواطن.
وقالت فرقة : أراد زرق الألوان ، وهي غاية في التشويه ، لأنهم يجيئون كلون الرماد ، ومهيع في كلام العرب أن يسمى هذا اللون أزرق : (يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً) أي : يتخافت المجرمون بينهم ، أي : يتسارون ، والمعنى : أنهم لهول المطلع وشدّة ذهاب أذهانهم ، قد عزب عنهم قدر مدّة لبثهم.
واختلف الناس فيما ذا ، فقالت فرقة : في دار الدنيا ، ومدّة العمر ، وقالت فرقة : في الأرض مدة البرزخ.
__________________
(١) أما الكسر فهو قراءة السبعة. وأما ضم السين ، فقرأ بها عيسى بن عمر ، كما في «مختصر الشواذ» ص ٩٢. وينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٦٢) ، و «البحر المحيط» (٦ / ٢٥٧) ، و «الدر المصون» (٥ / ٥٢)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٦٢)