وقوله : (زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) شبّه سبحانه نعم هؤلاء الكفار بالزهر ، وهو ما اصفرّ من النّور ، وقيل : الزهر : النور جملة ؛ لأن الزهر له منظر ، ثم يضمحل عن قرب ، فكذلك مآل هؤلاء ، ثم أخبر سبحانه نبيه صلىاللهعليهوسلم : أن ذلك إنما هو ليختبرهم به ، ويجعله فتنة لهم وأمرا يجازون عليه أسوأ الجزاء ؛ لفساد تقلبهم فيه.
ص : و (زَهْرَةَ) : منصوب على الذمّ ، أو مفعول ثان ل : (مَتَّعْنا) مضمن معنى أعطينا. ا ه.
ورزق الله تعالى الذي أحله للمتقين من عباده ، خير وأبقى ، أي : رزق الدنيا خير ورزق الآخرة أبقى ، وبين أنه خير من رزق الدنيا ، ثم أمره سبحانه وتعالى بأن يأمر أهله بالصلاة ، ويمتثلها معهم ويصطبر عليها ويلازمها ، وتكفّل هو تعالى برزقه لا إله إلّا هو ، وأخبره أن العاقبة للمتقين بنصره في الدنيا ، ورحمته في الآخرة ، وهذا الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ويدخل في عمومه : جميع أمته.
وروي : أنّ عروة بن الزبير رضي الله عنه كان إذا رأى شيئا من أخبار السلاطين وأحوالهم ، بادر إلى منزله ، فدخله وهو يقول : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ...) الآية إلى قوله (وَأَبْقى) ثم ينادي : الصلاة الصلاة رحمكم الله ، ويصلي (١).
وكان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يوقظ أهل داره لصلاة اللّيل ويصلّي هو ويتمثّل بالآية (٢).
قال الداوديّ : وعن عبد الله بن سلام ، قال : «كان النبيّ صلىاللهعليهوسلم إذا نزل بأهله ضيق أو شدّة أمرهم بالصّلاة ، ثم قرأ : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ) إلى قوله (لِلتَّقْوى) (٣). انتهى.
قال ابن عطاء الله في «التنوير» : وأعلم أنّ هذه الآية علمت أهل الفهم عن الله تعالى كيف يطلبون / رزقهم ، فإذا توقفت عليهم أسباب المعيشة ، أكثروا من الخدمة والموافقة ، وقرعوا باب الرزق بمعاملة الرزّاق ـ جل وعلا ـ ثم قال : وسمعت شيخنا أبا العبّاس
__________________
(١) أخرجه الطبريّ (٨ / ٤٨٠) رقم (٢٤٤٥٩) ، وذكره ابن عطية (٤ / ٧١) ، وابن كثير (٣ / ١٧١)
(٢) ذكره ابن عطية (٤ / ٧١) ، وابن كثير (٣ / ١٧١) نحوه ، والسيوطي (٤ / ٥٦١) ، وعزاه لمالك ، والبيهقي عن أسلم عن عمر.
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٥٦١) ، وعزاه إلى أبي عبيد ، وسعيد بن منصور ، وابن المنذر ، والطبراني في «الأوسط» ، وأبي نعيم في «الحلية» ، والبيهقي في «شعب الإيمان» عن عبد الله بن سلام.