«كانت قراءته مدا ، ثم قرأ : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)) يمدّ بسم الله ، ويمدّ الرحمن ، ويمدّ الرحيم» (١).
وكان ذلك يوجب أن يقول الأئمة الآخرون بمثل ما قال الشافعي ، لأن ذلك هو الطريق الذي علمت به قرآنية ما بين دفتي المصحف ، وأن هذه الآية من هذه السورة ، وتلك من تلك.
ولكن عرض لمالك رحمهالله رأي : أن أهل المدينة لا يقرؤون البسملة في صلاتهم في مسجد المدينة ، وجرى العمل على ذلك في الصلاة من أيامه صلىاللهعليهوسلم إلى أيام الإمام مالك رضي الله عنه ، مع قيام الدليل عنده على وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة ، فلو كانت آية من الفاتحة لوجبت قراءتها معها في الصلاة.
وقوّى ذلك عنده عدة أحاديث يفهم منها أنها ليست آية من الفاتحة ولا من أوائل السور ، وإليك بعض هذه الأحاديث :
جاء في «صحيح مسلم» عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يفتتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة بالحمد لله رب العالمين (٢). وفي «الصحيحين» عن أنس قال : صليت خلف النبي صلىاللهعليهوسلم ، وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين. ورواه مسلم بلفظ : لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا آخرها (٣).
ومن الدليل على أنها ليست آية من الفاتحة حديث سفيان بن عيينة ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢)) قال : حمدني عبدي ، وإذا قال : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣)) قال الله تعالى : أثنى عليّ عبدي ، وإذا قال : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)) قال : مجدني عبدي ، وقال مرة : فوّض إليّ عبدي فإذا قال : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)) قال : هذا بيني وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ
__________________
(١) رواه البخاري في الصحيح (٦ / ١٣٦) ، ٦٦ ـ كتاب فضائل القرآن ، ٢٩ ـ باب مد القراءة حديث رقم (٥٠٤٦).
(٢) رواه مسلم في الصحيح (١ / ٣٥٧) ، ٤ ـ كتاب الصلاة ، ٤٦ ـ باب ما يجمع صفة الصلاة حديث رقم (٢٤٠ / ٤٩٨).
(٣) رواه البخاري في الصحيح (١ / ٢٠٣) ، ١٠ ـ كتاب الأذان ، ٨٩ ـ باب ما يقول بعد التكبير حديث رقم (٧٤٣) ، ومسلم في الصحيح (١ / ٢٩٩) ، ٤ ـ كتاب الصلاة ، ١٣ ـ باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة حديث رقم (٥٢ / ٠٠٠).