الوجوب على المستطيع ، واقتصار النبيّ صلىاللهعليهوسلم في البيان على الزاد والراحلة إنما كان للرد على من يزعم أنه يجب الحج على الناس مطلقا ، ولو كانوا في بلاد نائية ، ويقدرون على المشي ، بدليل أنه لم يذكر عدم المرض وأمن الطريق مثلا ، مع أنهما شرطان من شروط الاستطاعة اتفاقا ، فالنبيّ صلىاللهعليهوسلم اقتصر على بيان بعض الحالات ، والحالات الأخرى تؤخذ من عمومات أخرى ، كقوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة : ١٨٥] وقوله : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج : ٧٨].
ومعلوم أنّ شرط الزاد والراحلة إنما هو لئلا يشقّ عليه ، ويناله ما يضره من المشي ، فإذا كان من أهل مكة ، أو ما قاربها ، ويمكنه الوصول إليه دون مشقة ، فهذا مستطيع ، ويجب عليه الحجّ.
وإذا كان لا يصل إليه إلا بمشقة فهذا الذي خفّف الله عنه ، ولم يلزمه الفرض حتى يكون مستطيعا إليه سبيلا : زادا وراحلة.
ويرى بعض العلماء أنّ وجود المحرم للمرأة من شرائط وجوب الحجّ مستدلا بما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا فوق ثلاث إلا مع ذي رحم محرم أو زوج» (١).
وروي عن ابن عباس أنه قال : خطب النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : «لا تسافر امرأة إلّا ومعها ذو محرم».
فقال رجل : يا رسول الله إني قد اكتتبت في غزوة كذا ، قد أرادت امرأتي أن تحجّ.
فقال عليه الصلاة والسلام : «احجج مع امرأتك» (٢).
وهذا يدل على أن المرأة إذا أرادت الحجّ ليس لها أن تحج إلا مع زوج ، أي ذي رحم محرم ، من وجوه :
أحدها : أن السائل فهم من قوله : لا تسافر ... إلخ ذلك ، ولذلك سأله عن امرأته التي تريد الحج ماذا يفعل ، وقد اكتتب في الغزو؟ ولم ينكر النبي عليه ذلك.
وثانيها : أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : حج مع امرأتك وفي ذلك دلالة على أنه حين قال : «لا تسافر امرأة ... إلخ أراد ما يعم سفر الحج.
ثالثها : أنه أمره بترك الغزو وهو فرض للحج مع امرأته ، ولو جاز لها الحج بغير محرم أو زوج لما أمره بترك الغزو.
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح (٢ / ٩٧٧) ، ١٥ ـ كتاب الحج ، ٧٤ ـ باب سفر المرأة حديث رقم (٤٢٣ / ١٣٤٠).
(٢) رواه أحمد في المسند (١ / ٢٢٢).