وقوله : (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً) حال من الضمير المسكن في آمّين أي لا تتعرضوا لهم حال كونهم يطلبون من ربهم ثوابا ورضوانا لتعبدهم في بيته الحرام.
قيل المراد بالآمّين المسلمين الذين يقصدون بيت الله للتعبد فيه وحينئذ يكون التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم للتشريف ، ويكون ابتغاء الفضل والرضوان ظاهرا ، وتكون الآية على هذا محكمة لا نسخ فيها.
وقيل المراد بالآمين المشركين ، ويؤيده ما قيل من أن الآية نزلت في الحطم بن ضبعة البكري ، حين قدم المدينة بخيله وأصحابه ، ولكنه دخلها وحده حتى كان بين يدي النبي صلىاللهعليهوسلم ، وسمع منه ، ثم قام وقد وعد النبيّ عليهالسلام بأن يأتي مع أصحابه ليسلموا ، وانصرف مع أصحابه ، فمر بسرح المدينة ، فاستاق ما مرّ به وهرب ، فلما كان موسم الحج ، خرج الحطم حاجا في حجاج بني بكر بن وائل ، ومعه تجارة عظيمة ، فسأل المسلمون النبيّ صلىاللهعليهوسلم أن يأذن لهم في التعرض له فأبى النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم نزل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) إلخ. وحينئذ يفسّر ابتغاء الفضل بطلب الرزق بالتجارة ، وابتغاء الرضوان بأنّهم كانوا يزعمون أنهم على سداد في دينهم ، وأن الحجّ يقربهم إلى الله تعالى ، ثم نسخت إباحة حجهم بعد ذلك.
وقيل : المراد بالآمين ما يشمل المسلمين والمشركين فإنهم كانوا يحجون جميعا ، ثم نسخت إباحة حج المشركين بقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) [التوبة : ٢٨] وقوله : (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) [التوبة : ١٧] ويكون ابتغاء الفضل والرضوان عاما للدنيوي والأخروي ولو في زعم المشركين.
فقد نهى الله تعالى المسلمين في صدر هذه الآية عن أمور خمسة :
منها ما ترغب النفوس في التمتع به كالمباحات التي حرّمت لأجل الإحرام من استعمال الطيب ، ولبس المخيط ، والقرب من النساء ، واصطياد الطيور والحيوانات.
ومنها ما ترغب فيه النفوس بمقتضى شهواتها الغضبية كالانتقام ممن عاداها ، وحال بينها وبين رغباتها.
ومنها ما ترغب فيه النفوس الضعيفة كالتعرض للهدايا ، فأرشدهم الله تعالى إلى أنّ هذه الرغبة مهما عظمت لا تغيّر شيئا من أحكام الله تعالى ، ثم قال : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) أي إذا خرجتم من الإحرام أبيح لكم الصيد ، وبالطبع يحلّ لكم أيضا كل ما كان مباحا قبل الإحرام.
وإنما خص الصيد بالذكر لأنّهم كانوا يرغبون فيه كثيرا كبيرهم وصغيرهم وعظيمهم وحقيرهم ، وللإشارة إلى أنّ الذي ينبغي الحرص عليه ما يعد قوتا تندفع به