وقوله : (مكلّبين) حال من فاعل علّمتم ، أي وما علمتم من الجوارح حال كونكم معلمين ومؤدبين.
وقوله تعالى : (تُعَلِّمُونَهُنَ) حال من فاعل علمتم ، أو من الضمير في (مكلّبين) أي وحال كونكم تعلمونهن مما علمكم الله ، فلا بد من أمور ثلاث.
أن تكون الجوارح معلمة.
وأن يكون من يعلمها ماهرا في التعليم مدرّبا فيه.
وأن يعلم الجوارح مما علمه الله بأن تقصد الصيد بإرسال صاحبها ، وأن تنزجر بزجره ، وأن يمسك الصيد.
ولا يأكل منه إذا كان كلبا ونحوه ، وأن يعود إلى صاحبه متى دعاه إذا كان مثل البازي ، فإنّ الفقهاء يقولون : يعرف تعليم الكلب بترك الأكل ثلاثا. ويعرف تعليم البازي بالرجوع إلى صاحبه إذا دعاه. وبيّنوا الفرق بأنّ تعليم الحيوان يكون بترك ما يألفه ويعتاده ، وعادة الكلب السلب والنهب ، فإذا ترك الأكل ثلاثا عرف أنّه تعلم ، وعادة البازي النفرة فإذا دعاه صاحبه فعاد إليه عرف أنّه تعلّم.
(فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) يقال أمسك الكلب على صاحبه إذا أمسك الصيد ولم يأكل منه ، أما إذا أكل منه فإنه لم يمسك على صاحبه ، وكلمة (من) في قوله : (مما أمسكن) يحتمل أن تكون بيانية أي فكلوا الصيد ، وهو ما أمسكن عليكم ، والمراد ما جرحه الكلب مثلا ومات من جرحه ، أو أدركه الصائد حيّا وذكّاه. ويحتمل أن تكون (من) للتبعيض أي كلوا بعض ما أمسكن عليكم ، وهو ما جرحه ومات من جرحه ، أو أدركه الصائد حيا وذكاه لا ما جرحه ولم يمت من جرحه ولكنه افترسه سبع فمات منه ، وعلى هذا تكون البعضية في الجزئيات ، ويجوز أن تكون البعضية في الأجزاء باعتبار أن المأكول هو البعض وهو اللحم دون الجلد والريش والدم والعظم.
(وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) أي على الكلب مثلا عند إرساله ، فيكون الضمير عائدا إلى ما علمتم ، أو اذكروا اسم الله على الصيد عند الإمساك أي إذا أدركتم ذكاته فيكون الضمير عائدا إلى ما أمسكن.
(وَاتَّقُوا اللهَ) أي احذروا مخالفة أمره فيما أرشدكم إليه ، واتخذوا وقاية من عذابه بامتثال ما أمر به ، واجتناب ما نهى عنه.
(إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) يحاسبكم على ما تعملون من غير توان ولا إمهال ، ولما ذكر فيما سبق شيئا من المحرمات والمحللات ناسب هنا ذكر الحساب كأنّه يقول بعد بيان الحلال والحرام وما يرضيه وما يغضبه : ينبغي التنبه إلى أنه تعالى سيحاسب العاملين على أعمالهم من غير توان متى جاء يوم الحساب.