والإخبار ، وأعاده في هذه الآية للدلالة على أنّه تعالى كما أكمل الدين وأتمّ النعمة فيه أكمل النعمة فيما يتعلق بالدنيا التي منها إحلال الطيبات ، وطعام أهل الكتاب ، والمحصنات المؤمنات ، والمحصنات الكتابيات.
والمراد بالطيبات ما يستطاب ويشتهى عند أهل النفوس الكريمة.
والمراد بطعام أهل الكتاب ذبائحهم عند الجمهور ، وهو الراجح ، لا الخبز والفاكهة ، ولا جميع المطعومات ، لأنّ الذبائح هي التي تصير طعاما بفعلهم ، وأما الخبز والفاكهة والمطعومات فهي مباحة للمؤمنين قبل أن تكون لأهل الكتاب ، وبعد أن تكون لهم فلا وجه لتخصيصها بأهل الكتاب.
وخصّ هذا الحكم بأهل الكتاب لأنّ المجوس لا يحل أكل ذبائحهم ، ولا التزوج بنسائهم ، وإنما قال : (وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) أي يحل لكم أن تطعموهم من طعامكم ، للتنبيه على أنّ الحكم مختلف في الذبائح والمناكحة ، فإنّ إباحة الذبائح حاصلة من الجانبين ، بخلاف إباحة المناكحات. فإنها في جانب واحد ، والفرق واضح ، لأنّه لو أبيح لأهل الكتاب التزوج بالمسلمات ، لكان لأزواجهن الكفار ولاية شرعية عليهن ، والله تعالى لم يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا شرعيا ، بخلاف إباحة الطعام من الجانبين فإنها لا تستلزم محظورا.
وأحل لكم المحصنات المؤمنات أي الحرائر أو العفائف ، أو المراد المصونات ، فيعم الحرائر والعفيفات ، وتخصيصهن بالذكر للحث على ما هو الأولى في عقدة النكاح ، لا لنفي ما عداهن ، فإنّ نكاح الإماء لغير المالكين صحيح بشرطه ، وكذا نكاح غير العفيفات.
وأحل لكم المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم من اليهود والنصارى ، أي أحلّ لكم الحرائر والعفيفات من أهل الكتاب ، سواء أكنّ ذميات أم حربيات ، وتخصيص الحرائر العفيفات بالذكر للحث على ما هو الأولى ، كما سبق ، لا لنفي ما عداهن ، وقيّد الحل بإيتاء المهور في قوله : (إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) للدلالة على تأكّد وجوب المهر حتى كأنّه إذا لم يؤدّ المهر لا تحل له الزوجة ، وللحثّ على ما هو الأولى ، وهو إيتاء الصداق قبل الدخول.
وقوله : (مُحْصِنِينَ) حال من فاعل (آتَيْتُمُوهُنَ) أي أحل لكم محصنات أهل الكتاب إذا آتيتموهن أجورهن حال كونكم محصنين ، أي متعففين بالزواج بهن (غير مسافحين) حال من ضمير (مُحْصِنِينَ) أو صفة لمحصنين ، أي غير مجاهرين بالزنى ، ولا متخذي أخدان ، أي ولا مسرّين ، وهو إما مجرور معطوف على (غَيْرَ مُسافِحِينَ) زيدت فيه (لا) لتأكيد النفي المستفاد من (غير) أو منصوب معطوف على (غَيْرَ مُسافِحِينَ).