وقيل : المراد الشهادة على الناس بمعاصيهم يوم القيامة كما في قوله تعالى :
(لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) [البقرة : ١٤٣] أي كونوا من أهل العدالة الذين حكم الله بأنهم يكونون شهداء على الناس يوم القيامة وقيل المراد الشهادة لأمر الله بأنّه الحق ، والظاهر الأول ، وإن كان الثاني أنسب بكون الآية نزلت في يهود بني النضير ، ومعنى كونه يشهد لله أنه لا يحابي بشهادته أهل وده وقرابته ، ولا يمنع شهادته عن أعدائه (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا) أي لا يحملنّكم بغض قوم على أن تجوروا عليهم في معاملتهم ، وأن تظلموهم في محاكمتكم لهم ، وأن تعتدوا عليهم في أنفسهم وأولادهم.
قيل : نزلت هذه الآية في يهود بني النضير حين ائتمروا على الفتك برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأوحى الله إليه بذلك ، ونجّاه من كيدهم ، فأرسل عليه الصلاة والسلام إليهم يأمرهم بالرحيل من جوار المدينة ، فامتنعوا وتحصنوا بحصونهم ، فخرج عليه الصلاة والسلام إليهم بجمع من أصحابه ، وحاصرهم ستّ ليال ، اشتد الأمر فيها عليهم ، فسألوا النبيّ صلىاللهعليهوسلم أن يكتفي منهم بالجلاء ، وأن يكفّ عن دمائهم ، وأن يكون لهم ما حملت الإبل.
وكان البعض من المؤمنين يرى لو يمثل النبيّ صلىاللهعليهوسلم بهم ، ويكثر من الفتك فيهم فنزلت الآية لنهيهم عن الإفراط في المعاملة بالتمثيل والتشويه ، فقبل النبي عليه الصلاة والسلام من اليهود ما اقترحوه (١).
وقيل : نزلت في المشركين الذين صدوا المسلمين عن المسجد الحرام عام الحديبية ، كأنه تعالى أعاد النهي هنا ليخفّف من حدة المسلمين ورغبتهم في الفتك بالمشركين بأيّ نوع من أنواع الفتك.
(اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) نهاهم أولا عن أن تحملهم البغضاء على ترك العدل ، ثم صرّح لهم بالأمر بالعدل ، للتأكيد ، ثم ذكر علة الأمر بالعدل بقوله : (هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) أي العدل في معاملة الأعداء أقرب إلى اتقاء المعاصي على الوجه العام ، أو المعنى : أن العدل في معاملة الأعداء أقرب إلى اتقاء عذاب الله على الوجه العام أيضا ، وبه يندفع ما قد يقال : إن العدل من التقوى ، فكيف يقال هو أقرب للتقوى.
ثم أمر بالتقوى على الوجه العام فقال : (وَاتَّقُوا اللهَ) أي اتخذوا وقاية من عذابه في جميع أعمالكم ، فإنّ الله خبير بما تعملون ، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم.
الأحكام
يؤخذ من الآية ما يأتي :
١ ـ وجوب القيام لله تعالى بكل التكاليف التي وجهها إلينا.
__________________
(١) رواه ابن جرير الطبري في تفسيره جامع البيان (٦ / ٩١).