ورسوله ، فيكون نظير قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) [الأحزاب : ٥٧].
والمحاربون هم الذين يجتمعون بقوة وشوكة يحمي بعضهم بعضا ، ويقصدون المسلمين ، أو أهل الذمة في أرواحهم وأموالهم.
والسعي في الأرض بالفساد عبارة عن إخافة الطرق بحمل السلاح ، وإزعاج الناس ، سواء أصحبه قتل النفوس وأخذ الأموال أم لا.
واتفق العلماء على أنّ هذه الحالة إذا حصلت في الصحراء كانوا قطّاع الطريق ، وأما إذا حصلت في المصر ففيها الخلاف ، فقال أبو حنيفة : لا يكون قاطعا للطريق ، لأنّ المجني عليه يلحقه الغوث في الغالب ، فلا يتمكن المجتمعون من المقاتلة ، وروي عن مالك أنه لا يكون محاربا حتى يقطع على ثلاثة أميال من القرية ، وروي عنه أيضا إذا كابر في المصر باللصوصية كان محاربا ، تجري عليه أحكام قطاع الطريق ، وهو مذهب الإمام الشافعي ، لإطلاق قوله تعالى : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) إلخ.
واختلفوا في الحكم المستفاد من هذه الآية ، فقال قوم من السلف : الآية تدل على التخيير بين هذه الأجزية ، فمتى خرجوا لقطع الطريق وقدر عليهم الإمام خيّر بين أن يجري عليهم أيّ نوع من هذه الأحكام ، وإن لم يقتلوا ولم يأخذوا مالا ، وإلى هذا ذهب سعيد بن المسيب ومجاهد والحسن وعطاء بن أبي رباح وهو مذهب المالكية.
وقال قوم آخرون من السلف : الآية تدل على ترتيب الأحكام وتوزيعها على ما يليق بها من الجنايات ، فمن قتل وأخذ المال قتل وصلب ، ومن اقتصر على أخذ المال قطّعت يده ورجله من خلاف ، ومن أخاف السّبل ولم يقتل ولم يأخذ مالا نفي من الأرض ، وهو ما رواه عطاء عن ابن عباس ، وذهب إليه قتادة والأوزاعي ، وهو مذهب الشافعية والصاحبين من الحنفية وأكثر العلماء.
وأبو حنيفة يحمل الآية على التخيير ، لكن لا في مطلق المحارب ، بل في محارب خاص ، وهو الذي قتل النفس وأخذ المال ، فالإمام مخيّر في أمور أربعة :
إن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وقتلهم.
وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم وصلبهم.
وإن شاء صلبهم فقط.
وإن شاء قتلهم فقط. ولا يجوز إفراد القطع في هذه الحالة ، بل لا بدّ من انضمام القتل أو الصلب إليه ، لأنّ الجناية قتل وأخذ مال ، والقتل وحده فيه القتل ، وأخذ المال وحده فيه القطع ، ففيهما مع الإخافة والإزعاج لا يعقل القطع وحده ، هذا مذهب الإمام أبي حنيفة.
وقال صاحباه : في هذه الصورة يصلّبون ويقتلون ولا يقطعون ، واتفق أبو حنيفة