وقد روى محمد عن أبي حنيفة عن ابن المنكدر عن طلحة بن عبيد الله تذاكرنا لحم الصيد يأكله المحرم والنبي صلىاللهعليهوسلم نائم ، فارتفعت أصواتنا ، فاستيقظ رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «فيم تتنازعون».
فقلنا : في لحم الصيد يأكله المحرم ، فأمرنا بأكله.
وروى مسلم عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال : خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم حاجا ، وخرجنا معه ، فصرف نفرا من أصحابه فيهم أبو قتادة ، فقال : «خذوا ساحل البحر حتى تلقوني». قال : فأخذوا ساحل البحر ، فلما انصرفوا قبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أحرموا كلهم إلا أبا قتادة ، فإنّه لم يحرم ، فبينما هم يسيرون إذ رأوا حمر وحش ، فحمل عليها أبو قتادة ، فأصاب منها أتانا ، فنزلوا فأكلوا من لحمها قال : فقالوا : أكلنا لحما ونحن محرمون إلخ القصة ، وفيها أنهم استفتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : «هل معكم أحد أمره أو أشار عليه بشيء». قالوا : لا ، قال : «فكلوا» (١).
وعن مالك والشافعي وأحمد وداود رحمهمالله أنه لا يباح ما صيد له لما رواه أبو داود والترمذي والنسائي عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «صيد البر لكم حلال وأنتم محرمون ، ما لم تصيدوه ، أو يصاد لكم» (٢).
(وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) اتقوه فيما نهاكم عنه من الصيد وفي جميع المعاصي فإنكم ستعرضون عليه يوم الحشر ، ويحاسبكم حسابا عسيرا.
قال الله تعالى : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧))
سمّي البيت الحرام كعبة لعلوّه ، وارتفاع شأنه ، ومن ذلك الكعبان ، للعظمين الناتئين بجانبي القدمين ، ويقال : كعب ثدي المرأة إذا نتأ وبرز (الْبَيْتَ الْحَرامَ) بيان الكعبة على جهة التمدح ، فإنّه معظّم عندهم منذ القدم ، لحرمته و (قِياماً لِلنَّاسِ) مفعول جعل الثاني ، ومعنى كون البيت الحرام قياما للناس أنّ به قوامهم في صلاح أمورهم دينا ودنيا. حيث جعله الله مثابة للناس وأمنا ، فيه يأمن الخائف ، وينجو اللاجئ ، وبه يطعم البائس الفقير ، مما جعل الله في الحج من مناسك بها عمارة واد غير ذي زرع ،
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح (٢ / ٨٥٣) ، ١٥ ـ كتاب الحج ، ٨ ـ باب تحريم الصيد للمحرم ، حديث رقم (٥٩ / ١١٩٦).
(٢) رواه أبو داود في السنن (٢ / ١١٣) ، كتاب المناسك ، باب لحم الصيد حديث رقم (١٨٥١) ، والترمذي في الجامع الصحيح (٣ / ٢٠٤) ، كتاب الحج ، باب ما جاء في أكل الصيد حديث رقم (٨٤٦) ، والنسائي في السنن (٥ ـ ٦ / ٢٠٥) ، كتاب الحج ، باب إذا أشار إلى الصيد حديث رقم (٢٨٢٦).