وروي عن الشعبي أنه وقف على (شَهادَةُ) وابتدأ (اللهِ) بمد الهمزة وتأويلها أنه حذف حرف القسم ، وعوّض عنه همزة الاستفهام ، والمعنى على القسم. وقرئ (اللهِ) بدون مد على القسم أيضا ، وقد ذكر سيبويه أن من العرب من يطرح حرف القسم ولا يعوض منه حرف الاستفهام ، فيقول : الله لقد كان كذا.
(فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً) أي اطّلع على أنهما فعلا ما أوجب إثما ، واستوجبا أن يقال : إنهما من الآثمين.
(فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ) قرئ استحقّ على البناء للمفعول ، والمعنى فشاهدان آخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الإثم ، أي من الذين جني عليهم ، وهم أهل الميت وعشيرته ، و (الْأَوْلَيانِ) خبر لمبتدأ محذوف. أي هما (الْأَوْلَيانِ) كأنّه قيل : من هما؟ فقيل : (الْأَوْلَيانِ) أو بدل من الضمير في يقومان ، ومعنى (الْأَوْلَيانِ) الأحقان بالشهادة لقرابتهما ومعرفتهما بأحوال الميت ، ويجوز أن يكون (الْأَوْلَيانِ) نائب فاعل (اسْتَحَقَ) على حذف مضاف ، أي استحق عليهم انتداب الأولين.
وقرئ على البناء للفاعل والمعنى من الذين استحق عليهم الأوليان أو يجرّد وهما للشهادة ، ويقدموهما لها ، ويظهروا بهما كذب الكاذبين (فَيُقْسِمانِ بِاللهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) أي ما اعتدينا في طلب هذا المال وفي نسبتهما إلى الخيانة ، إنا إذا اعتدينا وخوّناهما وهما ليسا خائنين لمن الظالمين!.
(ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ) أي ما تقدم من الحكم أقرب أن يأتي الشهداء على نحو تلك الحادثة بالشهادة على وجهها الذي تحمّلوها عليه خوفا من عذاب الله ، وهذه حكمة شرعية التحليف بالتغليظ المتقدم.
وقوله تعالى : (أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ) بيان لحكمة ردّ اليمين على الورثة ، وهو معطوف على مقدّر ينبئ عنه المقام ، كأنه قيل : ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ويخافوا عذاب الآخرة ، أو يخافوا أن تردّ أيمان على الورثة بعد أيمانهم ، فيظهر كذبهم على رؤوس الأشهاد ، فيكون ذلك الخوف داعيا إلى أن ينزجروا عن الخيانة التي تؤدي إليه ، فأي الخوفين كان وجد المطلوب ، وهو تأدية الشهادة دون تحريف ولا تبديل.
(وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا) سمع إجابة (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ).
يؤخذ من الآية أنّ الله طلب أن يشهد الموصي على وصيته اثنين عدلين من المؤمنين فإن كان في سفر ، وأشرف على الموت ، ولم يجد من المؤمنين ، أشهد من غير المؤمنين على وصيته ، فإذا أديا الشهادة ، وارتاب ورثة الميت في شهادتهما حلف