هذه الآية ، يقولون : إن الله تعالى طلب ممن قرئ القرآن بمحضر منه شيئين : الاستماع والإنصات ، وذلك عام في كل الأحوال والأوقات ، لا يخرج منه شيء إلا ما أخرجه الدليل ، فإن أخرج الدليل مثلا ما إذا كان المصلي يصلي وآخر ليس معه في الصلاة يقرأ ، كان ذلك خارجا ، وبقي ما عداه على وجوب الاستماع والسكوت ، وإذا كانت سرية اكتفينا منه بالإنصات ، لأنه الممكن ، وهو يعلم أنّ الإمام يقرأ ، فعليه أن يلزم الصمت عملا بهذه الآية.
والحنفية في هذا الذي ذهبوا إليه يشاركون كثيرا من جلة الصحابة رضوان الله عليهم ، فهو مذهب علي ، وابن مسعود ، وسعد ، وجابر ، وابن عباس ، وأبي الدرداء ، وأبي سعيد ، وابن عمر ، وزيد بن ثابت ، وأنس.
بل لقد روي عن بعضهم ذمّ من قرأ خلف الإمام ، فقد روى عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي كرم الله وجهه قال : من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة.
وعن زيد بن ثابت قال : من قرأ خلف الإمام ملئ فوه ترابا.
وروي عنه أنّ من قرأ خلف الإمام فلا صلاة له.
وقال الشعبي : أدركت سبعين بدريا كلهم يمنعون المقتدي عن القراءة خلف الإمام.
ويروي الحنفية تأييدا لمذهبهم أخبارا كثيرة بعضها مرفوع وفي رفعه مقال ، وبعضها مرسل.
من ذلك ما أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي في «سننه» عن مجاهد قال : قرأ رجل من الأنصار خلف رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الصلاة فنزلت : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ) إلخ.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به ، فإذا كبّر فكبروا ، وإذا قرأ فأنصتوا» (١).
وأخرج أيضا عن جابر أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من كان له إمام فقراءته له قراءة».
وكل ما قيل في هذا الحديث أنّه مرسل ، والحنفية يحتجون بالمراسيل.
على أنه قد رواه أبو حنيفة مرفوعا بسند صحيح. روى محمد بن الحسن في «موطئه» قال : أنبأنا أبو حنيفة حدثنا أبو الحسن موسى ابن أبي عائشة عن عبد الله بن
__________________
(١) رواه البخاري في الصحيح (١ / ٢٠١) ، ١٠ ـ كتاب الأذان ، ٨٢ ـ باب إيجاب التكبير حديث رقم (٧٣٤) ، ومسلم في الصحيح (١ / ٣٠٩) ، ٤ ـ كتاب الصلاة ، ١٩ ـ باب ائتمام المأموم حديث رقم (٨٦ / ٤١٤).