النخيل والأعناب ، فيجوز أن يكون ذلك جمعا بين العتاب في اتخاذ السكر ، والامتنان بالرزق الحسن ، ويكون المعنى : أتتخذون منه سكرا ورزقا حسنا.
وإن كانت بعد التحريم ففي مقابلة السكر بالرزق الحسن ما يرده إلى المحرم ، ويكون ذلك تقريعا شديدا لمن يقدم عليه.
والحاصل أنّا نرى أن الآية ليس فيها ما يشهد بالحل ، إذ الكلام في الامتنان بخلق الأشياء لمنافع الإنسان ، ولم تنحصر المنافع في حل التناول ، فقد قال الله في شأن الخمر : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) [البقرة : ٢١٩] فهل انحصرت منافع السكر على فرض أنه النبيذ في الشرب؟
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ستعملون عقولهم بالنظر والتأمل ، فيعلمون أن ربهم بهم رؤوف رحيم ، وأنه يجب أن يخصّ بالعبادة وحده.
قال الله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٩٨)) ظاهر الآية جعل الاستعاذة عقب القراءة ، وبه قال بعض الظاهرية. والجمهور على أن ذلك على حد قوله : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) [المائدة : ٦] وقوله : (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) [الأنعام : ١٥٢] وقوله : (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) [الأحزاب : ٥٣] وقوله : (إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) [المجادلة : ١٢] الذي تطلب من أجله الاستعاذة ـ وهو دفع وسوسة الشيطان ـ يقتضي تحصيل الاستعاذة قبل القراءة ، وهذا المعنى يشير إلى قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ) [الحج : ٥٢].
وكيفية الاستعاذة عند جمهور القراء أن يقول : «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» وقد تضافرت الروايات عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بهذه الصيغة (١) ، وهناك صيغ أخرى وردت : كأعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم (٢) ، والأمر بها للندب عند الجمهور ، وعن الثوري أنها واجبة ، وظاهر الآية يؤيده ، إذ الأمر للوجوب. والجمهور يقولون : إنه صرفها عن الوجوب ما ورد أنّه صلىاللهعليهوسلم لم يعلمها الأعرابي (٣) وأيضا فقد روي أنه كان يتركها.
ثم هل هي مندوبة في أول الصلاة فقط أو في كل ركعة ، خلاف بين الفقهاء يعرف في الفقه ، ومبناه على أنّ الاستعاذة قد رتبت على شرط ، فتتكرر بتكرره. ثم
__________________
(١) رواه السيوطي في الدر المنثور في التفسير بالمأثور (٤ / ١٣٠).
(٢) رواه أبو داود في السنن (١ / ٢٩٨) ، كتاب الصلاة ، باب من لم ير الجهر ببسم الله حديث رقم (٧٨٥).
(٣) انظر ما رواه مسلم في الصحيح (١ / ٢٩٨) ، ٤ ـ كتاب الصلاة ، ١١ ـ باب وجوب قراءة الفاتحة حديث رقم (٤٥ / ٣٩٧).