بالإيمان ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «فإن عادوا فعد» فنزلت هذه الآية (١).
وقد قالوا : إن هذا أصل في جواز إظهار الكفر في حال الإكراه وقالوا أيضا : إنّ الإكراه الذي يبيح ذلك هو أن يبلغ حدّا يخاف معه على نفسه أو بعض أعضائه التلف. إن لم يفعل ما أمر به ، فأبيح له في هذه الحالة أن يظهر الكفر.
وقد قالوا : يجب أن يجنح إلى التعريض فيما أمر به ما أمكنه ، فإن ضيّق عليه حتى لم يكن للتعريض سبيل وسعه أن يفعل ، فإن خطر بباله التعريض ولم يعرّض كان كافرا. وأما إن لم يخطر بباله شيء من ذلك بأن كان همه أن يخرج من الإكراه ، وانحصر فكره في ذلك فلا شيء عليه.
وحكم هذا الترخيص للإكراه كما يجري في الكفر يجري في غيره ، غير أنه إذا أكره على قتل إنسان لا يجوز له أن يفعل ، وهناك أمور يجب عليه فيها أن يفعل ، فإن لم يفعل كان آثما ـ وهي مبيّنة في الفقه ، وفي الأصول عند الكلام على أقسام الرخصة ـ والذي يعنينا هنا هو الإكراه على الكفر ما حكمه ، فقد أمر النبي صلىاللهعليهوسلم عمارا أن يعود إلى مجاراتهم في القول إن عادوا إلى إكراهه ، فما موجب الأمر؟
قالوا : إنه للإباحة ، والصارف له عن الوجوب ما روي عن خبيب بن عدي رضي الله عنه لما أراد أهل مكة أن يقتلوه ، لأنه لم يعطهم التقية ، بل صبر حتى قتل ، فكان عند النبي صلىاللهعليهوسلم خيرا من عمار في إعطائه التقية ، أضعف إلى ذلك أنّ في الصبر على المكروه إعزازا للدين ، وغيظا للمشركين ، فهو بمنزلة من قاتل المشركين حتى قتل ، فتأثير الإكراه في هذه الصورة إنما هو إسقاط المأثم فقط.
وقد روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (٢) فألحق المكره بالمخطئ والناسي.
وقد وقع خلاف بين الفقهاء في طلاق المكره وعتاقه ونكاحه وأيمانه ، فذهب الحنفية إلى أنّ الطلاق ونحوه يلزمه ، لأن الطلاق يعتمد الاختيار ، والإكراه ينفي الرضا ، ويحقق الاختيار. وغيرهم يذهب إلى عدم لزومه ، استدلالا بالحديث المتقدم والحنفية يحملونه على رفع الحكم الأخروي وهو المأثم ، والكلام مستوفى في الفقه ، فارجع إليه إن شئت.
ومسألة طلاق المكره مسألة خلافية من الصدر الأول ، فقد روي القول بالوقوع عن علي وعمر وسعيد بن المسيب وشريح وإبراهيم النخعي والزهري وقتادة.
__________________
(١) رواه ابن جرير الطبري في تفسيره جامع البيان (١٤ / ١٢٢).
(٢) سبق تخريجه ، بلفظ (إنّ الله تجاوز) بدل (رفع عن أمتي).