وأبو داود وغيرهما عن ابن مسعود (١) أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «عدلت شهادة الزور الإشراك بالله» ثلاثا ، وتلا هذه الآية.
(حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) الحنيف المائل عن الديانات الباطلة إلى الدين الحق ، مأخوذ من الحنف بالتحريك وهو الميل ، وقد اشتهر عند العرب إطلاق الحنيف على كل متمسك بدين إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
والمعنى : اجتنبوا الرجس من الأوثان ، واجتنبوا قول الزور حال كونكم ثابتين على الدين الحق ، مخلصين لله في العبادة ، من غير أن تجعلوا لغيره معه شركة فيها. فهما حالان مؤكّدتان لما قبلهما من الاجتناب.
(وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ).
(خَرَّ). معناه سقط من علو.
(فَتَخْطَفُهُ) تختلسه بسرعة وقوة.
وهذه الجملة مستأنفة مقرّرة لوجوب اجتناب الشرك.
والمعنى : أن من جعل لله شريكا فقد حق عليه الخسار والبوار ، وهو في شركه شبيه به إذا سقط من جو السماء ، فاجتمعت عليه الطيور الجارحة ، فمزقته ، وذهب كل منها بقطعة منه ، فتمّ بذلك هلاكه.
وظاهر على هذا أن التشبيه من باب تشبيه التمثيل ، ويصح أن يكون تشبيها مفرقا.
(أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) ، هوى يهوي سقط من علو. وهوى به أسقطه.
والسحيق : البعيد ، ماضيه سحق كبعد.
هذا تشبيه ثان لمن أشرك بالله ، والعطف فيه إما على قوله : (خَرَّ مِنَ السَّماءِ) أو على (فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ) والمعنى أنّ حال المشرك في شركه ، وما يؤدي إليه من سوء العاقبة ، شبيهة بحاله إذا أخذته ريح عاصفة ، فقذفت به في مهوى عميق ، لا يكون له منه خلاص ولا نجاة ، أو أنّ حاله في ذلك شبيهة بحاله إذا خرّ من السماء ، فعصفت به الريح ، وهوت به في مكان سحيق.
والتشبيه على هذين الوجهين تشبيه تمثيل ، ويصح أن يكون تشبيها مفرقا أيضا ، فيشبه الشيطان الذي يضله ويغويه بالريح التي تهوي به وترديه ، ويشبه الشرك بالوادي
__________________
(١) رواه أبو داود في السنن (٣ / ٢٩٨) ، كتاب الأقضية ، باب في شهادة الزور حديث رقم (٣٥٩٩) ، وأحمد في المسند (٤ / ٣٢١) ، والترمذي في الجامع الصحيح (٤ / ٤٧٥) ، كتاب الشهادات ، باب في شهادة الزور حديث رقم (٢٣٠٠) وابن ماجه في السنن (٢ / ٧٩٤) ١٣ ـ كتاب الأحكام ، ٣٢ ـ باب شهادة الزور حديث رقم (٢٣٧٢).