هذا ويؤخذ من الاقتصار في الآية على البدن مع ورود الشرع بجواز الهدي من بهيمة الأنعام أنّ البدن في الهدايا أفضل من غيرها من البقر والغنم.
ويؤخذ من الآية أيضا : الندب إلى نحر الإبل وهي قائمة معقولة إحدى القوائم ، وأنه لا يجوز أن يؤكل منها بعد نحرها حتى تفارقها الحياة.
ومقتضى الأمر في قوله جلّ شأنه : (فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَ) وجوب ذكر اسم الله حينئذ ، وهو يؤيّد بظاهره قول من يرى من الأئمة وجوب التسمية على الذبيحة. ومن يرى ندب التسمية يؤوّل الأمر على الندب ، أو يؤول ذكر اسم الله على الشكر والثناء.
أما حكم الأكل منها وإطعام الفقراء فقد سبق لك القول فيه.
قال الله تعالى : (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (٣٧))
النيل : الإدراك والإصابة.
والتكبير في الآية : قيل : إنه ما يكون عند الذبح : بسم الله ، الله أكبر ، والأحسن أن يفسّر بالتعظيم والتقديس والشكر.
والإحسان : هو إتقان العمل ، والإتيان به على الوجه المطلوب ، ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم لما سئل عن الإحسان : «أن تعبد الله كأنّك تراه» (١).
المعنى : بأنّ من يريد رضا الله تعالى فلا يظن أنه يدرك ذلك باللحوم والدماء من حيث إنها لحوم ودماء ، وإنما ينال ذلك بالتقوى والإخلاص ، في العمل ، فإنّ الأعمال دون التقوى والإخلاص كصور أجسام لا روح فيها ولا حياة.
وللآية وجه آخر من التفسير ـ إن صح ما قيل في سبب نزولها ـ ذلك أنّه روي عن ابن عباس ومجاهد أنّ جماعة من المسلمين كانوا هموا أن يفعلوا في ذبائحهم فعل أهل الجاهلية ، يقطعون لحومها ، وينشرونها حول الكعبة ، وينضحون عليها من دمائها ، فنزلت الآية تزجرهم عن هذا الفعل ، وترشدهم إلى ما هو الأجدر بهم والأليق بإيمانهم أن يفعلوه في ذبائحهم ، حتى يدركوا رضا الله تعالى.
وعلى هذا يكون المعنى : أن من يريد رضا الله تعالى ، ويرجو أن ينال منه المثوبة بما يقرّب من هدي ، فلا يظن أنّه ينال ذلك باللحم يقطعه وينثره ، ولا بالدم يلطخ به الكعبة الطاهرة فعل أهل الشرك من الجاهلية ، وإنما ينال ذلك بتقوى الله ، والبعد عن مثل تلك الأعمال التي تجانب روح الإسلام وطهارته ، والتي ليس فيها شيء من الإخلاص لله.
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح كتاب الإيمان حديث رقم (٣٧).