التسمية من إبراهيم عليه الصلاة والسلام كما هو الرأي الآخر ، فلا يظهر ذلك التعليل ، إذ يكون معنى الكلام عليه : سماهم إبراهيم هذه التسمية التي تضمّنت حكمه بعدالتهم ، ليقبل الله شهادتهم على الناس يوم القيامة وفيه ما ترى.
والجواب : أنّ تسمية سيدنا إبراهيم إياهم بالمسلمين قد أقرّها الله تعالى ، فكأنّ الحكم بعدالتهم صادر منه جل شأنه ، فيكون الله هو الذي عدّلهم ليقبل شهادتهم ، وهذا الجواب مستقيم ولا غبار عليه.
وبعد ... فشهادة النبي صلىاللهعليهوسلم وشهادة أمته يوم القيامة يثبت بها شرف عظيم له عليه الصلاة والسلام ولهذه الأمة ، فإنّ الله تعالى يصدّق قوله يوم القيامة على أمته في دعوى تبليغه إياها ، لكن سائر المرسلين مع عصمتهم سوف يحتاجون لإثبات ما يدّعون على أقوامهم إلى من يشهد لهم بين يدي الله عزوجل.
وكذلك هذه الأمة شرّفها الله بأن جعلها أهلا للشهادة على سائر الأمم ، فهي تشهد على الناس جميعا ، ولا يشهد عليها أحد منهم ، إنما الذي يشهد عليها هو نبيّها الذي هو أشرف الخلق أجمعين. وفي هذا فضل كبير.
(وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) ورد أنه يؤتى بالأمم وأنبيائهم فيقال للأنبياء : هل بلغتم أممكم ، فيقولون : نعم بلغناهم ، فينكرون فيؤتى بهذه الأمة فيشهدون أنّهم قد بلغوا ، فتقول الأمم لهم : من أين عرفتم ، فيقولون : عرفنا ذلك بإخبار الله تعالى في كتابه الناطق على لسان نبيه الصادق.
(فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ) قد سبق لك معنى إقامة الصلاة. أما الاعتصام فمعناه اتخاذ العصمة ، وهي ما يعصم الشيء ويمنعه مما يضره. فالاعتصام بالله هو الثقة به ، والالتجاء إليه ، والاستعانة بقوته العظمى على دفع كلّ مكروه ، وقيل : إن الاعتصام بالله هو الاستمساك بدينه والتزام شريعته.
وهذه الجملة مرتبة بالفاء على ما قبلها ، من اجتباء المخاطبين ، وتسميتهم مسلمين ، وتشريفهم بقبول شهادتهم على الأمم.
وقد ختم الله الأوامر في هاتين الآيتين بالأمر بإقام الصلاة مع سبق الأمر بها في قوله تعالى : (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) على ما علمت ، ثم عطف عليه الأمر بإيتاء الزكاة لما تقدم لك كثيرا من أنهما أصل الخير وأسّ الفلاح ، ثم أتبعهما الأمر بالاعتصام به سبحانه وتعالى ، فإن هذا الاعتصام هو مبعث القوة ، وهو سبيل الفوز ، فمن استنصر بالله نصره ، ومن لاذ بحماه أمّنه ، ومن استعان بقوته يسّر له أمره ، وأمكنه مما يريد.
(هُوَ) المولى يطلق على معان : منها المالك ، والناصر ، والمعتق ، والجار ، وابن العم ، والحليف. وأولاها الأول ، وفي هذه الجملة (هُوَ مَوْلاكُمْ) عدة جميلة ،