حتى يتذكروها ، ولكن دلائل التوحيد وشواهده معروفة للناس ، ولكنهم لم يفطنوا لها ، فهم ليسوا في حاجة إلى أكثر من أن يلتفتوا إليها فيتذكروها بعد النسيان.
والمعنى : هذه سورة أنزلناها ، وفرضنا ما فيها من أحكام ، وأنزلنا فيها دلائل وعلامات على توحيد الله وكمال قدرته ، لتتذكروها ، فتعتقدوا وحدانيته وقدرته جلّ شأنه.
ومعلوم أن إنزال السورة كلها يستلزم إنزال هذه الآيات منها ، فيكون التكرار في قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ) لكمال العناية بشأنها ، كما هي الحال في ذكر الخاصّ بعد العام.
قال الله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢)) الزنى مقصور في اللغة الفصحى ، وهي لغة الحجازيين. وقد يمدّ في لغة أهل نجد.
والزنى من الرجل وطء المرأة في قبل من غير ملك ولا شبهة ملك ، والزنى من المرأة تمكينها الرجل أن يزني بها.
والجلد بفتح الجيم : ضرب الجلد بكسرها. وقد جاء صوغ فعل مفتوح العين من أسماء الأعيان يقال : رأسه ، وظهره ، وبطنه ، وفأده ، وحسه : إذا أصاب رأسه وظهره وبطنه وفؤاده وحسه.
وجوّز الراغب أن يكون معنى جلده ضربه بالجلد مثل : عصاه ضربه بالعصا ، وسافه ضربه بالسيف ، ورمحه أي طعنه بالرمح.
والرأفة : الشفقة والعطف.
(فِي دِينِ اللهِ) في طاعته وإقامة حدّه الذي شرعه.
(وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما) شهد كسمع شهودا : حضر.
(طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الطائفة في الأصل اسم فاعل مؤنّث من الطواف ، وهو الدوران ، والإحاطة ، فهي إما صفة مفرد مؤنث أي نفس طائفة ، فتطلق حينئذ على الرجل الواحد. وإما صفة جماعة ، أي جماعة طائفة ، فتطلق على من فوق الواحد.
ويكاد اللغويون يجمعون على أنه يقال للواحد طائفة كما يقال لمن فوقه طائفة. وفي المراد بها هنا أقوال سنبينها فيما بعد.
وقوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا) إلخ شروع في تفصيل الأحكام التي أشير إليها في قوله جل شأنه : (وَفَرَضْناها) والرفع في قوله جلّ شأنه (الزَّانِيَةُ) عند سيبويه والخليل على أنه مبتدأ ، خبره محذوف ، والكلام على حذف مضاف ، والتقدير : مما يتلى عليكم حكم الزانية والزاني ، ويفهم من كلام سيبويه في «الكتاب» أن النهج المألوف