إلا بإذن ، بقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) الآية ، فإذا صحّ أنّ سبب النزول قصة أسماء المتقدمة كان قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) خطابا للرجال والنساء بطرق التغليب ، لأنّ دخول سبب النزول في الحكم قطعي كما هو الراجح في الأصول.
وقد يقال : الأمر في قوله تعالى : (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ) للمملوكين والصغار ، وكيف يؤمر الصبي الذي لم يبلغ الحلم ، ولا تكليف قبل البلوغ؟
والجواب من وجهين :
الأول : أن الأمر وإن كان كذلك في الظاهر ، لكنّه في الحقيقة للمخاطبين ، فهم أمروا أن يأمروا مماليكهم وصبيانهم بالاستئذان ، وإلى هذا المعنى يرشد كلام السدي في سبب النزول كما سبق.
وأمر المخاطبين صبيانهم بالاستئذان إنما هو من باب التأديب والتعليم ، ولا إشكال فيه ، ومثله ما روي من قوله صلىاللهعليهوسلم : «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر» (١).
والثاني : أنّ الأمر للبالغين من المذكورين على وجه التكليف ، ولغيرهم على وجه التأديب.
وظاهر الأمر في قوله تعالى : (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ) أنّ للوجوب ، وبهذا الظاهر قال بعض العلماء. ولكن الجمهور على أنّه أمر استحباب وندب ، وأنّه من باب التعليم والإرشاد إلى محاسن الآداب ، فلو دخل المملوك المكلّف على سيده بغير استئذان لم يكن ذلك معصية منه ، وإنما هو خلاف الأولى ، وإخلال بالأدب. نعم إذا كان يعلم أنّ في دخوله بغير إذن إيذاء لسيده كان دخوله حينئذ حراما ، لا من حيث إنه دخل بغير إذن ، بل من حيث أنه آذى غيره ، وعلى كلا القولين حكم الاستئذان في الأوقات الثلاثة الآتية محكم ليس بمنسوخ ولا مؤقّت بوقت قد انتهى على الصحيح.
وزعم بعض الناس أنّه منسوخ ، لأن عمل الصحابة والتابعين في الصدر الأول كان جاريا على خلافه.
وقال آخرون : إنّ طلب الاستئذان كان في العصر الأول إذ لم يكن لهم أبواب تغلق ولا ستور ترخى. تمسّكوا في ذلك بما أخرجه أبو داود (٢) عن عكرمة قال : إنّ نفرا من أهل العراق قالوا لابن عباس رضي الله عنهما : كيف ترى فى هذه الآية التي أمرنا بها ولا يعمل بها أحد. قول الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) الآية ،
__________________
(١) رواه أبو داود في السنن (١ / ١٩٧) ، كتاب الصلاة ، باب متى يؤمر الغلام حديث رقم (٤٩٥).
(٢) رواه أبو داود في السنن (٤ / ٣٨٨) ، كتاب الأدب ، باب الاستئذان حديث رقم (٥١٩٢).