في ظاهر اللفظ موجّه لمن لم يبلغ الحلم ، وهو في الحقيقة أمر لأوليائهم أن يعلّموهم الآداب الحسنة ، ويأمروهم بالاستئذان في الأوقات الثلاثة السابقة ، فإذا اعتبر الأمر في ظاهر اللفظ قيل : ليس عليهم جناح بعدهن ، وإذا اعتبر المأمورون في الحقيقة قيل :
ليس عليكم جناح ، واقتصر عليهم. لكنّ النظم الجليل قد روعي فيه الاثنان ، فجمعهما في نفي الجناح مبالغة في الإذن بترك الاستئذان بعد الأوقات الثلاثة.
والظاهر أنّ المراد بالجناح المنفي الإثم الشرعي ، أي لا إثم عليكم ولا إثم عليهم في دخولهم عليكم بغير استئذان فيما عدا الأوقات الثلاثة.
ويفهم منه أنّ على المخاطبين وعلى الصغار الذين لم يبلغوا الحلم إثما إذا دخل هؤلاء الصغار في الأوقات الثلاثة من دون استئذان. وهو مشكل من وجهين :
الأول : أن المخاطبين حمّلوا تبعة فعل غيرهم ، مع أنه لا تزر وازرة وزر أخرى.
والثاني : أنّ الصغار غير مكلّفين ، فلا يتصور في حقهم الإثم الشرعي.
والجواب أنّه لا مانع من تأثيم المخاطبين لتركهم تعليم الصغار ، وتمكينهم إياهم من الدخول بغير استئذان في أوقات العورات. وإنّ الجناح المنفي عن الصغار الجناح العرفي ، بمعنى الإخلال بالأدب والمروءة.
نفت هذه الآية الحرج في دخول المماليك والذين لم يبلغوا الحلم بغير استئذان فيما عدا الأوقات الثلاثة ، وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها) يحظر الدخول بغير استئذان في جميع الأوقات ، فكان بين ظاهر الآيتين تعارض. وأصحّ ما دفع به هذا التعارض أنّ الآية السابقة خاصة بالأحرار البالغين ، وفي حكمهم مماليك الأجانب. وهذه الآية في الصبيان ومماليك المدخول عليه ، فلا تعارض.
ويؤخذ من تعليل الأمر بالاستئذان في الأوقات الثلاثة بأنها أوقات عورة ، يختل فيها تسترهم : أن العبرة بتحقق هذا المعنى ، بقطع النظر عن خصوص الوقت ، فلو كان أهل البيت على حال يكرهون اطلاع المماليك والمراهقين عليهم فيها كانكشاف عورة ؛ ومداعبة زوجة. أو أمة. فإنّه ينبغي أن يستأذن مماليكهم وصبيانهم عليهم ؛ ولو كان ذلك في غير الأوقات الثلاثة. لأن المعنى الذي من أجله أمروا بالاستئذان ، وهو خشية الاطلاع على العورات متحقق. فالأمر بالاستئذان فيها ، ونفي الجناح بعدها جاريان على العادة الغالبة.
(طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ) أي وهم يطوفون عليكم (بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ) أي بعضكم طائف على بعض ، فحذف متعلّق الجار ، وهو كون خاصّ لدلالة ما قبله عليه.
والجملة الأولى مستأنفة لبيان العذر المرخّص في ترك الاستئذان ، أي إن من