جمع به بين هذه الأحاديث قال : تبين بهذه الأحاديث أنّ الصور ممنوعة على العموم ، ثم جاء إلى ما كان رقما في ثوب ، فخصّ من جملة الصور ، ثم يقول النبي صلىاللهعليهوسلم لعائشة في الثوب المصور : «أخّريه عني ، فإني كلّما رأيته ذكرت الدنيا» فثبتت الكراهة فيه.
ثم بهتك النبي صلىاللهعليهوسلم الثوب المصوّر على عائشة منع منه ، ثم بقطعها لها وسادتين ، حتى تغيرت الصورة ، وخرجت عن هيئاتها ، بأنّ جواز ذلك إذا لم تكن الصورة فيه متصلة الهيئة ولو كانت متصلة الهيئة لم يجز ، لقولها في النمرقة : اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها. فمنع منه ، وتوعّد عليها.
وتبين بحديث الصلاة إلى الصورة أنّ ذلك كان جائزا في الرقم في الثوب ، ثم نسخة المنع ، فهكذا استقرّ فيه الأمر والله أعلم.
هكذا يرى ابن العربي أنّ المنع في الأول كان عاما ، ثم استثنيت منه أشياء رخّص فيها ، ثم زال ذلك بالرجوع إلى المنع في الكل ، ونحن نرى أنّ هذه الطريقة في الجمع بعيدة. إذ فيها إثبات النسخ لجواز اتخاذ بعض الصور ، والرجوع إلى الحظر الذي ادعى أنه عام.
ومعلوم أنّ النسخ يشترط فيه العلم بالتاريخ ، وإلا إذا كان يكفي الإمكان فلقائل أن يقول : إن أحاديث المنع يحتمل أن تكون متقدمة ، ثم جاءت أحاديث الترخيص.
ومن أجل ذلك نرى أنّ الذي يذهب إليه ابن العربي بعيد ، وأنّ الأولى في الجمع أن يقال : تحمل النصوص التي فيها الحظر بإطلاق على ما كان منها مجسّدا لذي روح ، ويستأنس له بقوله صلىاللهعليهوسلم في بعضها : «أشدّ الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون خلق الله» وروي من طريق آخر : «يقال لهم : أحيوا ما خلقتم» بل في بعضها ما هو تحد قوي بنفخ الروح «يعذّب حتّى ينفع فيه الروح ، وما هو بنافخ» (١).
وبهذا يكون قوله صلىاللهعليهوسلم : «أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون» مرادا منه الذين يصوّرون صور الأجسام ذوات الروح إذا كانت على حالة بحيث يمكن أن يقال : إن صاحبها يضاهي بها خلق الله ، وهذا أيضا إنما يكون إذا كانت كاملة الخلق بحيث لا ينقصها إلا نفخ الروح ، وإذا يكون تصوير الجمادات كالجبال والأنهار والكائنات النامية التي ليست بذات روح خارجة من الحظر ، لأنّها ليست مما تناولها النصّ بإشارة «يشبهون خلق الله» ، وبإشارة «يقال لهم أحيوا ما خلقتم» وحتى «ينفخ فيها الروح وما هو بنافخ» إذ كل هذه الجمادات والنباتات لا تجتمع فيها كلّ هذه الصفات ، فتكون
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح (١٦٧١) ، ٣٧ ـ كتاب اللباس ، ٢٦ ـ باب حديث رقم (١٠٠ / ٢١١٠) ، والبخاري في الصحيح (٣ / ٥٤) ، ٣٤ ـ كتاب البيوع ، ١٠٤ ـ باب بيع التصاوير حديث رقم (٢٢٢٥).