المضروب ، فأوجد له تحلّة القسم ، وذلك بالضرب بالضغث ، ويظهر أنّه لم يكن عنده كفارة اليمين.
وبناء على رأي بعض الأصوليين الذين يقولون : إنّ شرع من قبلنا شرع لنا قال الحنفية : إنّ من حلف ليضرب مئة ضربة ، فأخذ حزمة من حطب عدد عيدانها مئة ، فضرب بها برّ بيمينه ، ولا كفارة عليه ، لأنّ الله قد رخّص لأيوب هذا ، وجعله غير حانث به ، وما دام غير حانث فهو بار ، لأنّه لا واسطة بين الحنث والبر ، ومن أجل أنّه برّ لا تجب الكفارة ، لأن الكفارة في شريعتنا إنّما تجب عند الحنث.
والمالكية ـ وإن كانوا يقولون بهذه القاعدة الأصولية ـ ويقولون : هي رخصة خاصة بأيوب ، بدليل توجيه الخطاب له ، وبما ذكر للترخيص من العلة. ويقول ابن العربي (١) : إنّما انفرد مالك عن القاعدة لتأويل بديع هو أنّ مجرى الأيمان عند مالك في سبيل النية والقصد أولى ، لقوله صلىاللهعليهوسلم : «إنّما الأعمال بالنيات» (٢) ، وقصة أيوب عليهالسلام ولم يصح فيها شيء يبيّن كيفية اليمين حتى نلتزم شريعته فيها. انتهى ملخصا فلا معنى لترك ما دلت عليه شريعتنا لشيء لا نعرف ما هو ، وشريعتنا تقضي بحمل الأيمان على اللغة ، أو على العرف ، واللغة لا تجعل الضارب مرة بسوط ذي شعب ضاربا مرات بعدد الشعب ، وكذا العرف ، فوجب أن نجري على ما هو الحكم عندنا بموجب العرف واللغة.
ولذلك لا يجوز هذا فيمن وجب عليه الحد إذا كان صحيحا ، وأما إذا كان مريضا فهذه رخصة في حدّ المريض خاصّة ، وإن شئت فقل : إنّها حدّ المريض إذا كان لا يقوى على احتمال الحد ، ولذلك نرى أنّ الأولى الأخذ برأي مالك في المسألة خصوصا وأنّ الكفارة شرعت عند إرادة العدول عن مقتضى اليمين إلى ما هو خير ، بل لقد قال بعضهم : إنّ المخالفة إلى الخير كفارة.
بقي أنّ بعض العلماء يريد أن يأخذ من هذه الآية مشروعية الحيلة ، وسنسمعك شيئا من حججهم ، وشيئا من ردّ ابن القيم في كتابه «أعلام الموقعين» عليهم ، ونوصيك بقراءته في هذا الموضوع ، فهو نفيس.
وقبل أن ننقل لك عن ابن القيم نقول : إنّ الحيلة ـ كما هو ظاهر من اسمها ـ ما يقصد به الاحتيال لدفع شيء عن وجهه الذي هو عليه ، أو جلبه من غير وجهه الذي
__________________
(١) انظر أحكام القرآن للإمام ابن العربي (٤ / ١٦٤٠).
(٢) رواه مسلم في الصحيح (٣ / ١٥١٥) ، ٣٣ ـ كتاب الإمارة ، ٤٥ ـ باب قوله صلىاللهعليهوسلم : «إنما الأعمال» حديث رقم (١٥٥ / ١٩٠٧) ، والبخاري في الصحيح (١ / ٣) ، ١ ـ كتاب الوحي ، ١ ـ باب كيف بدء الوحي حديث رقم (١).