ويرى ابن العربي أنّه يجوز بعث الصبي ، ولكنه لم يقع ، وتأوّل الأدلة على أنّها إخبار عمّا سيكون ، لا عمّا وقع بالفعل ، قال : ومثله كثير في القرآن.
على أنّه لا مانع من أن تبقى الآيات على ظاهرها ، ويكون ذلك على خلاف الغالب في الأنبياء.
(قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَ).
أوزعه بالشيء : أغراه به ، فأوزع فهو موزع ، أي مغرى إذا أغراه غيره ، والمراد هنا حمله على سلوك سبيل الشكر والتوفيق إلى السير فيه.
والمراد بالنعمة التي أنعم الله بها عليه وعلى والديه ، قيل : نعمة الدين ، وقيل : كلّ ما في الإنسان من نعمة (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ) [النمل : ١٩] معطوف على (أَنْ أَشْكُرَ) والعمل الصالح المرضي ما يكون سالما من غوائل عدم القبول (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) اجعل الصلاح يسير فيها ، ويمشي خلالها ، ويتفشّى فيها ، ويرسخ ، حتى يكون لها خلقا وطبعا. وأصلح : أصله يتعدى بنفسه ، وإنما عدّي بالحرب (في) لإفادة الرسوخ والسريان (إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ) من جميع الذنوب والآثام (وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أنفسهم إليك ، المنقادين لك ، الخاضعين لربوبيتك.
(أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا). هذا إشارة إلى الإنسان المذكور في قوله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ) وجمعه باعتبار أفراده الذين تحقق فيهم ما ذكر من الأوصاف المذكورة ، من معرفة حقوق الوالدين ، والرجوع إلى الله بسؤال التوفيق للشكر ، إلى آخر ما في الآية ، وهو إيذان بأنّ هذه الأوصاف هي صفات الإنسانية الكاملة ، من اتصف بها فهو الإنسان ، وأصحابها هم الذين يكرمهم الله ، فيتقبل عنهم ما قدموا من صالح العمل (وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ) فيعفو عنها ، إذ هي تتلاشى بجانب الحسنات (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) [هود : ١١٤](وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) الذي وعدهم الله به في كتبه وعلى لسان أنبيائه ، والله منجز ما وعد.