العتق : وقال بعضهم : إنّ المراد إطلاق سراحهم في مقابل ما يأخذه المسلمون منهم ، وقد يكون المقابل أسرى من المسلمين عند الكفار ، من طريق التبادل ، حسبما يتيسر عند المفاداة ، وقد يكون المقابل مالا ، أو عتادا يأخذه المسلمون في نظير أسرى الحرب.
واختلفوا كذلك في المراد من وضع الحرب أوزارها ، بعد الذي علمت من معاني الأوزار ، فقال بعضهم : إنّ وضع الأوزار كناية عن الإيمان ، والمعنى حتى يؤمنوا ويذهب الكفر ، وقال بعضهم : بل المراد حتى ينزل عيسى عليهالسلام ، وأنت لو نظرت إلى قول الله تعالى : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) [البقرة : ١٩٣] رجحت الأول على الثاني ، نعم إنّ نزول عيسى قد ورد فيه أنّه حين يكون لا يكون على ظهر الأرض كافر ، ولكنّ نزول عيسى أمر لا شيء في الآية ، ولا في غيرها مما جاء في القرآن ، يشعر به.
بقي بعد كلّ هذا خلاف العلماء في الأحكام التي دلّت عليها الآية من التخيير بين الاسترقاق والإطلاق دون مقابل والفداء ، ألا تزال هذه الأحكام معمولا بها ، أم نسخ العمل بها ، وتغيّرت الأحكام.
فذهب بعضهم إلى أنّها منسوخة بقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥] وذهب البعض إلى أنّ النسخ إنما هو في بعض ما تناولته فقط ، فهي منسوخة في حقّ عبّاد الأوثان ، فهؤلاء لا يمنّ عليهم ، ولا يفادون ، لأنّنا منهيون عن معاهدتهم ، وقال الضحاك : لا نسخ فيها ، بل هي باقية الحكم في كل ما دلّت عليه.
ويرى سعيد بن جبير ، أنّ الكفار بعد أن يثخنوا ويضعفوا فالحكم فيهم باق لا يتغير ، أما قبل أن يضعفوا فلا يجوز أن يكون هناك منّ ولا فداء ، وهذا يتفق مع ما أشير إليه في قوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) [الأنفال : ٦٧] وقد اختلف فقهاء الأمصار في ذلك أيضا.
قال الجصاص (١) : اتفق فقهاء الأمصار على جواز قتل الأسير ، لا نعلم بينهم خلافا فيه ، وقد تواترت الأخبار عن النبي صلىاللهعليهوسلم في قتل الأسير. منها قتله عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث [وهو الذي قالت أخته :
أمحمّد ها أنت صنو كريمة |
|
في قومها ، والفحل فحل معرق |
ما كان ضرّك لو مننت وربّما |
|
منّ الفتى ، وهو المغيظ المحنق |
قتل بعد الأسر يوم بدر.
وقتل النبيّ صلىاللهعليهوسلم يوم أحد أبا عزّة الشاعر ، بعد ما أسر.
__________________
(١) انظر أحكام القرآن للإمام أبي بكر الجصاص (٣ / ٣٩١).