الكريم في جواب القسم ، وإنّه تارة يكون إنشاء ، وتارة يكون خبرا ، وتارة يكون مذكورا ، وتارة يكون محذوفا ، لكنّ ذلك يحتاج إلى الشرح والإيضاح ، فيطول ، ونريد أن نرجع إلى القول في الذي معنا.
(فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦)).
قد أطلعناك على أمثلة كثيرة من هذا النوع من القسم في القرآن الكريم ، ويمتاز ما معنا بأنه قيل فيه صراحة (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦)) فكان هذا دليلا على أنّ هنا قسما وحلفا مثبتا ، وأنّ الكلام إثبات قسم لا نفي قسم.
ولقد كانت الصورة الظاهرة صورة نفي القسم مجالا فسيحا للعلماء ، أجهدوا فيه قرائحهم ، وأبدوا آراءهم في بيان المراد ، والجمع بينه وبين قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦)) فذهب بعضهم إلى أنّ (لا) زائدة ، مثلها في قوله تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ) [الحديد : ٢٩] معناه ليعلم ، والمعنى هنا : فأقسم بمواقع النجوم ، والقول بالزيادة يكاد لا يرتضيه أحد.
وذهب بعضهم إلى أن (لا) هي لام القسم بعينها ، أشبعت فتحتها ، فتولدت منها الألف ، نظير الألف في قول الشاعر :
أعوذ بالله من العقراب
حيث أشبعت فتحة الراء ، فتولّدت منه الألف ، وحينئذ تتحد القراءتان ، قراءة مدّ اللام وعدم مدها في المعنى ، ويكون المد مدّ إشباع ، ويكفي في ضعف هذا القول اعتراف قائليه بقلّة هذا التوليد في لغة العرب. على أنّ هذا يوقعنا في شيء آخر ، لا يقرّه النحويون ، وهو خلوّ فعل القسم إذا كان مستقبلا من النون ، فإنّ النحاة يقولون : إذا وقع الفعل مستقبلا مقرونا باللام في حيّز القسم وجب اتصال الفعل بنون التوكيد ، وحذفها ضعيف جدا ، حتى لقد اضطروا إلى تخريج القراءة الأخرى لاقسم على أنّ اللام للابتداء ، وليست للقسم ، وقالوا : إنّها داخلة على مبتدأ محذوف ، والمعنى : فلأنا أقسم ، وإن كان هذا التخريج لا يخلو من شيء.
وقيل : بل النفي على حاله ، و (لا) نفي لمحذوف ، هو ما كان يقوله الكفار في ذم القرآن ، من أنّه سحر وشعر وكهانة. ثم استؤنف الكلام بعد ذلك ، ويكون حاصل المعنى : فلا صحة لما يقولون ، أقسم بمواقع النجوم إلخ وفوق أن الحذف لا دليل عليه ، فهو لا يتفق مع ما يقول النحاة من أنّ اسم لا وخبرها لا يصحّ حذفهما ، إلا إذا كانا في جواب سؤال ، كما تقول : هل من رجل في الدار؟ فنقول : لا.
على أنّ علماء المعاني يقولون في مثل هذا الموضع : إنّ العطف بالواو متعيّن ، كما يقال : هل شفي فلان من مرضه فيقال : لا ، وأطال الله بقاءك.