(بِمَواقِعِ النُّجُومِ) ليشير إلى البراهين النفسية والآفاقية بالذكر ، كما قال تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) [فصلت : ٥٣] وهذا كقوله : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٢١) وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (٢٢)) [الذاريات : ٢٠ ـ ٢٢] حيث جمع بين الأنواع الثلاثة كذلك هنا اه.
وهو جميل كما ترى ، غير أنّ للباحث أن يقول : ظاهر كلام الفخر أنّ القسم بمواقع النجوم لإثبات القدرة والاختيار لفاعل مختار ، لكن الآية تقول : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧)) وظاهر ذلك أنّ المراد إثباته هو هذا الذي سيق مساق المقسم عليه ، فمن أين إثبات القدرة والفاعل المختار في القسم بمواقع النجوم؟
وفي النفس من كلام الفخر روعة ، ومن آثارها أن نقول : إنّ هذا استدلال على القدرة والفعل من طريق القسم على القرآن وكرمه وصونه ، وأنّه تنزيل من رب العالمين بمواقع النجوم من طريق أبلغ ، وكأنّه بعد أن سيقت الدلائل السابقة ، والتي كان ختامها القسم بمواقع النجوم ، وذكرت في القرآن كأنه قيل : اذكروا هذه الدلائل ، وتعرّفوا نتائجها ، واذكروا معها مواقع النجوم ، وتعرّفوا نتيجة الاستدلال بها ، تعلموا أنّ القرآن ـ الذي جاء بهذا ـ كريم ، وأنّه مصون ، وأنّه تنزيل من رب العالمين.
وقبل أن نختم الموضوع نقول : إنّ قوله تعالى : (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨٠)) توكيد لما قبله ، وتقرير له. وكما أنّه لازم لكونه قرآنا كريما بهذا في كتاب مكنون ، فهو ملزوم له ، فهو دليل وهو مدلول ، وكفى هذا خاتمة للموضوع.