ولا خلية تنكح غيره ، وكان الظاهر أن يقال : ظاهر زوجته ، كما يقال طلق زوجته ، إلا أنّه لتضمنه معنى التبعيد عدّي بمن.
وقوله تعالى : (ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ) ليس خبر المبتدأ ، إنما هو دليله ، والخبر محذوف ، والتقدير : الذين يظاهرون من نسائهم مخطئون ، لسن أمهاتهم ، ما أمهاتهم على الحقيقة إلا اللائي ولدنهم ، فلا يشبّه بهن في الحرمة إلا من ألحقها الله بهن.
(وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) وصف الله الظهار بأنه منكر وزور ، باعتبار أنّ قول الرجل لامرأته (أنت عليّ كظهر أمي) يتضمّن إخبارا وإنشاء ، فالأول من جهة إخباره بأنها تشبه أمه ، والثاني من جهة أنه أنشأ طلاقها وتحريمها ، فهو خبر زور ، وإنشاء منكر ، ينكره الشرع ، ولا يعرفه.
(وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) كثير العفو والمغفرة ، فيغفر لهم ما سلف من الظهار ، ويعفو عمن ارتكبه إذا تاب.
تمسّك المالكية بظاهر قوله تعالى : (مِنْكُمْ) في أنّ الذمي إذا قال لزوجته أنت عليّ كظهر أمي لم يعتبر ذلك ظهارا ، ولم تترتب عليه أحكام. وهذا هو المنقول عن الحنابلة ، وهو المعول عليه عند الحنفية ، إلا أنّ الحنفية لم يستدلوا عليه بمفهوم قوله تعالى : (مِنْكُمْ) ، بل حجتهم في ذلك أنّ الذمي ليس من أهل الكفّارة.
وقال الشافعية كما يصح طلاق الذمي وتترتب عليه أحكامه ، يصحّ ظهار الذمي وتترتب عليه أحكامه ، وقوله تعالى : (مِنْكُمْ) إنّما ذكر للتصوير والتهجين ، لأن الظهار كان مخصوصا بالعرب ، فليس من مفهوم الصفة ليستدل به على عدم صحة الظهار من الذمي.
واعترض قول الشافعية بصحة ظهار الذمي مع اشتراطهم النية في الكفارة بخصالها الثلاث والإيمان في الرقبة. والذمي ليس من أهل النية ، ويتعذّر ملكه للرقبة المؤمنة.
وأجابوا عن ذلك بأنّ خصال الكفارة منها ما هو عبادة بدنية وهو الصوم ، ومنها ما هو من قبيل الغرامات وهو العتق والإطعام ، والنية فيما كان من قبيل الغرامات إنّما هي للتمييز ، فلا يشترط فيها الإسلام ، كما في قضاء الديون. فالذمي يكفّر بالإعتاق والإطعام ، ولا يكفّر بالصوم ، لأنه لا يصح منه ، كما أنّ العبد المظاهر لا يكفّر بغير الصوم ، لأنه لا يملك. ويتصور ملك الذمي للعبد المسلم بإسلام قنّه ، أو بقوله لمسلم : أعتق عبدك عن كفارتي فيجيبه ، فإن لم يمكنه شيء من ذلك وهو موسر ، منع الوطء لقدرته على ملك الرقبة المسلمة ، بأن يسلم فيشتريها ، وكذلك لا ينتقل من الصوم إلى الإطعام لقدرته عليه بالإسلام. فإن عجز عن الصوم لكبر ونحوه انتقل إلى الإطعام ، ونوى للتمييز أيضا.