الشهادة ، وأطلق الشهود في مواضع ، فاستدللنا به على أنّ ما أطلق على معنى ما شرط. على أنّه سبحانه إنما ردّ زكاة المسلمين على المسلمين لا على المشركين وفرض الله الصدقات ، فلم تجز إلا لمؤمن ، وكذلك ما فرض من الرقاب ، لا يجوز إلا لمؤمن.
قال الشافعي : وإنّ لسان العرب يقتضي حمل المطلق على المقيد إذا كان من جنسه ، فحمل عرف الشرع على مقتضى لسانهم. قال : ولو نذر رقبة مطلقة لم يجزه إلا مؤمنة ، وهذا بناء على هذا الأصل ، وأن النذر محمول على واجب الشرع ، وواجب العتق لا يتأدّى إلا بعتق المسلم. ومما يدلّ على هذا أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال لمن استفتى في عتق رقبة منذورة : «ائتني بها» ، فسألها : «أين الله»؟ فقالت : في السماء. فقال : «من أنا»؟ فقالت : أنت رسول الله. فقال : «أعتقها فإنّها مؤمنة» (١) قال الشافعي : فلما وصفت بالإيمان أمر بعتقها اه.
والضمير في قوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) للمظاهر والمظاهر منها معلومين من السياق ، والتماسّ كناية عن الجماع ، فدلّت الآية على حرمة الجماع قبل التكفير.
وألحق الحنفية بالجماع دواعيه من التقبيل ونحوه ، لأنّ الأصل أنه إذا حرّم الشيء حرّم بدواعيه ، إذ طريق المحرم محرم ، وأظهر القولين عند الشافعية الجواز ، لأن حرمة الجماع ليست لمعنى يخل بالنكاح ، فلا يلزم من تحريم الجماع تحريم دواعيه ، فإنّ الحائض يحرم جماعها دون دواعيه ، والصائم يحرم منه الوطء دون دواعيه ، والمسبية يحرم وطؤها دون دواعيه.
أوجبت الآية الكفارة قبل المسيس ، وقد يذهب من يتمسّك بالظواهر إلى أنّه إذا وطئ قبل أن يكفّر أثم ، وسقطت عنه الكفارة ، لأنه قد فات وقتها ، ولم يبق له سبيل إخراجها قبل التماس ، وهذا الحكم منقول عن الزهري وسعيد بن جبير وأبي يوسف.
ولكنّك تعلم أنّ الآية مع أنّها وقتت للكفارة ميقاتا هو ما قبل المسيس ، فإنّها مع ذلك حرّمت على المظاهر العائد المسيس حتى يكفر ، فما لم يكفر لا يحل له وطؤها ، ولو وطئها مئة مرة ، وفوات وقت الأداء لا يسقط الواجب في الذمة ، كالصلاة والصيام وسائر العبادات. فلا يزال المظاهر مطالبا بالكفّارة.
وقد دلت على ذلك السنة الصحيحة أخرج أبو داود والترمذي (٢) وغيرهما أنّ سلمة بن صخر البياضي ظاهر من امرأته ، فوقع عليها قبل أن يكفّر ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «ما
__________________
(١) رواه مسلم في الصحيح (١ / ٣٨١) ، ٥ ـ كتاب المساجد ، ٧ ـ باب الكلام في الصلاة حديث رقم (٣٣).
(٢) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٣ / ٥٠٣) ، كتاب الطلاق ، باب كفارة الظهار حديث رقم (١٢٠٠) ، وأبو داود (٢ / ٢٤٠) ، كتاب الطلاق ، باب الظهار حديث رقم (٢٢١٣) ، وابن ماجه في السنن (١ / ٦٦٥) ، ١٠ ـ كتاب الطلاق ، ٢٥ ـ باب الظهار حديث رقم (٢٠٦٢).