الإطعام ، فكان ذلك ظاهرا في أنّه لو وطئ قبل الإطعام أو في خلاله لم يأثم ، ولا يستأنف ، ونقل عن هذا بعض الناس عن أبي حنيفة ، ولكنّه توهم ، والذي عليه المعول عنده رحمهالله أنّه يأثم ، ولا يستأنف الإطعام ، وبهذا قال جمهور الفقهاء.
أما عدم استئناف الإطعام فوجهه ظاهر ، وأما حرمة الوطء فدليل الفقهاء عليها مختلف بحسب اختلافهم في قواعد الأصول ، فمن يرى حمل المطلق على المقيد في مثل هذه الحادثة يقول : استفيد حكم ما أطلقه الله مما قيّده ، إما بيانا ، وإما قياسا قد ألغي فيه الفارق بين الصورتين ، فإنّ المعروف عن الشرع في الأعم الأغلب ألا يفرّق بين المتماثلين ، وقد ذكر الله (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) مرتين ، ونبّه بذلك على تكرّر حكمه في الكفارات الثلاث ، ولو ذكره في آخر الكلام مرة واحدة لأوهم اختصاصه بالإطعام ، ولو ذكره في أول مرة فقط لأوهم اختصاصه بالعتق ، وإعادته في كل مرة تطويل ، فكان أفصح الكلام وأبلغه وأوجزه ما جاء به النظم الجليل.
وأيضا فإنّه نبه بوجوب التكفير قبل المسيس في الصوم مع تطاول زمنه ؛ وشدة الحاجة إلى المسيس فيه ، على أن اشتراط تقدم الإطعام الذي لا يطول زمنه أولى.
على أنّ قوله صلىاللهعليهوسلم في الخبر الحسن. وقد تقدّم «اعتزلها حتّى تكفّر عنك» (١) يشمل التكفير بالإطعام.
وأما الحنفية الذين لا يرون حمل المطلق على المقيد في مثل هذه الحادثة ، فلهم على حرمة الوطء قبل الإطعام دليلان.
الأول : أنّ إباحة الوطء قبل الإطعام قد تفضي إلى الممتنع ، والمفضي إلى الممتنع ممتنع ، بيان ذلك : أنّه لو قدر على العتق أو الصيام في خلال الإطعام أو قبله يلزمه التكفير بالمقدور عليه ، فلو أبيح للعاجز عنهما القربان قبل الإطعام ؛ ثم اتفق أنّه قدر على العتق فوجب التكفير به ، لزم أن يقع العتق بعد التماس ، وهو ممتنع.
واعترض على هذا الدليل بأنّ القدرة حال قيام العجز بالفقر والكبر والمرض الذي لا يرجى زواله أمر موهوم ، والأمور الموهومة لا تراعى في إثبات الأحكام ابتداء ، بل غايتها أن تراعى في ثبوت الاستحباب ورعا.
والدليل الثاني : ما تقدم من قوله صلىاللهعليهوسلم : «اعتزلها حتى تكفّر» وقد يقال : إن هذا الحديث ليس نصا في الموضوع ، لأنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال ذلك للمظاهر قبل أن يتبين عجزه
__________________
(١) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٣ / ٥٠٣) ، كتاب الطلاق ، باب في المظاهر حديث رقم (١١٩٩) ، وأبو داود في السنن (٢ / ٢٤٢) ، كتاب الطلاق ، باب في الظهار حديث رقم (٢٢٢١) ، والنسائي (٥ ـ ٦ / ٤٧٩) ، كتاب الطلاق ، باب الظهار حديث رقم (٣٤٥٨) ، وابن ماجه في السنن (١ / ٦٦٦) ، ١٠ ـ كتاب الطلاق ٢٦ ـ باب المظاهر حديث رقم (٢٠٦٥).