المحتاج ، والحاجة تتجدد كل يوم ، فالدفع إليه في اليوم الثاني كالدفع إلى غيره ، وكالدفع إليه في اليوم الأول ، وأنت تعلم أنّ الآية نصّت على ستين مسكينا ، وبتكرر الحاجة في مسكين واحد لا يصير هو ستين مسكينا ، فكان التعليل بأنّ المقصود سدّ خلة المحتاج إلخ مبطلا لمقتضى النصّ فلا يجوز.
ألا ترى الحنفية حين قالوا : لا يجزئ الدفع لمسكين واحد طعام ستين دفعة واحدة ، علّلوا ذلك بأنّ التفريق واجب بالنص ، مع أنّ تفريق الدفع غير مصرّح به ، وإنما هو مدلول التزامي لعدد المساكين ، فالنص على العدد أولى بالاعتبار ، لأنّه المستلزم ، وغاية ما يعطيه كلامهم أنّه بتكرر الحاجة يتكرر المسكين حكما ، فكان تعدّدا حكما. وحينئذ يلزم أنّ يكون المراد بالستين مسكينا في الآية مسكينا حقيقة أو حكما ، من باب عموم المجاز الذي يشمل تعدد المساكين حقيقة ، وتعددهم حكما ، فيكون ستين مسكينا مجازا عن ستين حاجة ، وهو أعم من كونها حاجات ستين مسكينا ، أو حاجات واحد في ستين يوما. ولا يخفى أنّه لا مقتضى للعدول عن الحقيقة إلى هذا المجاز ، وأن ظاهر الآية إنما هو عدد معدوده ذوات المساكين ، وتعدد الذوات مما يصح أن يكون مقصودا معقول المعنى لما في تعميم الجميع من بركة الجماعة ، وشمول المنفعة ، واجتماع القلوب على المحبة والدعاء.
وظاهر الاقتصار في الآية على المساكين أنّه لا يجزئ دفع الكفارة إلّا إلى المساكين ، ويدخل فيهم الفقراء ، كما يدخل المساكين في لفظ الفقراء عند الإطلاق. وقد قالوا : كما علمت المسكين والفقير إذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا ، هذا مذهب الجمهور.
وعمّم أصحاب أحمد وغيرهم الحكم في كلّ من يأخذ من الزكاة لحاجته ، وهم الفقراء والمساكين وابن السبيل والغارم لمصلحته والمكاتب ، ولكنّ ظاهر القرآن اختصاصها بالمساكين على ما علمت.
وقد أطلقت الآية المسكين هنا ، ولكنّ الفقهاء شرطوا فيه اعتبارا بمسكين الزكاة ألّا يكون ممن تلزم المكفر نفقته ، وألا يكون هاشميا ولا مطلبيا ولا كافرا على خلاف في ذلك بين الفقهاء ، منشؤه اختلاف أقوالهم في مسكين الزكاة.
واستنبط بعض الشافعية من التعبير في جانب تحرير الرقبة بعدم الوجود ، وفي جانب الصيام بعدم الاستطاعة ، أنّه لو كان له مال غائب ينتظره ليعتق منه ولا يصوم ، ولو كان مريضا يرجى برؤه ، ولكنه يدوم في ظنه مدة شهرين يطعم ، ولا ينتظر البرء ليصوم ، ووافقهم الحنفية في عدم الصوم لا في الإطعام.
ثمّ إنّ الله سبحانه قيّد التكفير بكونه قبل المسيس في العتق والصيام ، وأطلقه في