بما كان من الإبل خاصة ، لا يكادون يطلقون اسم الراكب إلّا على راكب البعير ، وإن كانت التسمية للاشتقاق من الركوب ، ويوجد هذا المعنى في غير راكب البعير ، لكنّ العرب كثيرا ما يقصرون اللفظ على بعض ما يوجد فيه مبدأ الاشتقاق.
(وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) المعنى : أنّ هذه الأموال ؛ وإن كانت فيئا ؛ فإنّ الله جعلها لرسوله خاصّة ، لأن رجوعها له لم يكن من طريق قتالكم لهم ، بل كان عن طريق إلقاء الرعب في قلوبهم ، ولم يتكلف الناس فيه سفرا ، ولا تجشّموا رحلة ، ولا أنفقوا مالا ، وما كان من عمل الناس في حصارهم فهو عمل يسير لا يعتد به في جانب إلقاء الرعب فيهم ، ومن أجل ذلك كان الفيء للرسول صلىاللهعليهوسلم.
ولعلك من هذا استشعرت أنّ في الآية محذوفا دلّ عليه الكلام ، وهو خبر (ما) في قوله : (وَما أَفاءَ اللهُ) تقديره فلا شيء لكم فيه ، دلّ عليه قوله : (فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ) ، (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) يظهركم على أعدائكم من غير حاجة إلى حرب هذا هو تفسير هذه الآية.
وقد جاء الكلام فيما يؤخذ من الأعداء في ثلاثة مواضع من القرآن :
الأول : في قوله تعالى في سورة الأنفال : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ) [الأنفال : ٤١].
والموضع الثاني : هو الآية الأولى التي معنا : (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ) الآية.
والموضع الثالث : هو الآية التي بعدها : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ).
وقد نقلنا لك من الآيات ما يفهم منه أنّ الآيات تبدو متخالفة الحكم ، فآية الأنفال تقول : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ) فأسندت الغنم لهم ، ثم قالت : (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) إلخ فدلّ ذلك على أنّ الغنيمة توزّع أخماسا ، على حسب ما فهمته في الفقه ، وما عرفته في تفسير الآية في الأنفال.
والآية التي معنا تقول : (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) ومعنى هذا على ما علمت : أن ما ردّه الله على رسوله من أموال الكفار لا شيء لكم فيه ، لأنّكم لم توجفوا عليه ، وإنما هو للرسول صلىاللهعليهوسلم خاصة ، يصرفه كيف شاء.
والآية الثالثة خالفت هذه الآية ، فلم تقل منهم ، بل قالت : (مِنْ أَهْلِ الْقُرى) ووزّعت الفيء كتوزيع الغنيمة ، مع فرق واحد هو أنّ آية الأنفال وزعت فيها الغنيمة وقيل فيها : (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) وآية الحشر جعلت الفيء بين الذين ذكروا في الأنفال ، ولم يشر فيها إلى الخمس.