الزوجية باقية لكان الزوج أولى بها ، وقد قال الله : (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ).
وأيضا قوله تعالى : (وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا) يدلّ على ذلك ، لأنه لو كانت الزوجية باقية لما استحقّ الزوج ردّ المهر ، لأنه لا يستحق البضع وبدله.
قالوا : ويدل عليه أيضا قوله تعالى : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) لأنه لو كان النكاح باقيا لما جاز لأحد أن يتزوجها.
واستدلوا أيضا بقوله تعالى : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) لأنّ معناه عندهم لا تتمسكوا بها ، ولا تعتدوا بها ، ولا تمنعكم عصمة الكافرين السابقة من التزوج بهنّ.
وقال الحنفية أيضا : اتفق الفقهاء على جواز وطء المسبية بعد الاستبراء ، وإن كان لها زوج في دار الحرب إذا لم يسب زوجها معها ، ولا سبب يجوّز هذا في نظرهم إلا اختلاف الدارين ، لأنه ليس معنا إلا طروء الملك ، واختلاف الدارين وطروء الملك من حيث هو لا يقتضي فساد النكاح ، بدليل أنّ الأمة التي لها زوج لو بيعت لا تقع الفرقة بينهما ، وكذلك إذا مات السيد عن أمة لها زوج ، لم يكن انتقال الملك إلى الوارث سببا للفرقة.
والجماعة يقولون : إنّ سبب الفرقة هو الإسلام ، لأنها لم تعد صالحة لأن تكون فراشا لكافر ، وهذا المعنى متحقّق ، سواء أبقيت في دار الحرب ، أم خرجت ، والعدة لازمة شرعا في كل ذات زوج ما دامت حرة ، وقد عرفت عدة الحرة في الشرع ، وقد كان موجب الفرقة بينهما من قبل الزوج ، وهو بقاؤه على الكفر ، فإذا أسقط الزوج هذا الموجب في وقت يمكنه فيه التدارك ، فهي امرأته ، لأن المانع من بقاء زوجية قد زال قبل فوات الأوان.
وقد روي عن مجاهد قال : إذا أسلم وهي في العدة فهي امرأته ، وإن لم يسلم فرّق بينهما. وعن عطاء مثل هذا ، وكذلك عن الحسن ، وابن المسيّب. وأيضا قد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ردّ النبي صلىاللهعليهوسلم ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بالنكاح الأول ، وقد كانت زينب هاجرت إلى المدينة ، وبقي زوجها بمكة مشركا ، ثم ردها عليه بعد إسلامه.
والحنفية ردّوا الاستدلال بهذا الحديث من وجوه ، قالوا : إنّ هذه الرواية فيها أنّه ردها بعد ست سنين ، وذلك لا يعمل به عندكم. وقالوا : إن رواية ابن عباس ومذهبه يخالف مرويّة ، على أنّه قد روي هذا الحديث من طريق آخر جاء فيه أنه ردها عليه بنكاح ثان. والكلام في هذا الحديث محله كتب الحديث ، والذي يعنينا إنما هو الآية.
يقول الجماعة : إنّ هذه الآية بل الآيات لا دليل فيها ، فإنّ عدم الإرجاع إلى الكفار مبني على مجيء المؤمنات مهاجرات ، فلم جعلتم العلة هي الهجرة وحدها ،