وأما قياس الحنفية طروء الملك في المسبية على بيع الأمة المزوّجة في أنّ كلّا لا يقتضي فساد النكاح ، فهو قياس مع الفارق. فإنّ الذي حصل للمسبية إنما هو استرقاق واستحداث رق بعد حرية ، والذي حصل في الأمة المبيعة إنما هو انتقال ملك من شخص إلى شخص.
(ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ) فاتبعوه ، ولا تحيدوا عنه ، وقد روي أنّ الصحابة أدوا إلى المشركين ما أنفقوا من مهور المهاجرات ، وأبى المشركون أن يدفعوا مهور من بقي عندهم من نساء المؤمنين ، فنزل قوله تعالى : (وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (١١)).
والمعنى : إن انفلت منكم شيء من أزواجكم ؛ وانحاز إلى جانب الكفار ؛ وجاء دوركم ونوبتكم في استيفاء ما أنفقتم من المهور على أزواجكم ، فآتوا الذين ذهبت أزواجهم من المسلمين مثل ما أنفق هؤلاء الأزواج من مهور المهاجرات اللاتي هاجرن إليكم وتزوجتموهنّ ، ولا تدفعوا إلى أزواجهنّ الكفار ، ويكون ذلك قصاصا. إباء عن الدفع منكم بإباء عن الدفع منهم.
وقد روي عن الزهري ما يوافق هذا المعنى قال : يعطي من لحقت زوجته بالكفّار من صداق من لحق بالمسلمين من زوجات الكفّار ، وعلى هذا تكون المعاقبة بمعنى العقبى والنوبة ، وعن الزجاج أنّ المعنى : فقاتلتم الكفار وأصبتم منهم الغنائم ، فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا من الغنائم.
وقد روي عن ابن عباس أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم كان يعطي الذي ذهبت زوجته من الغنيمة قبل أن تخمّس المهر ، لا ينقص منه شيئا (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) فلا يزد أحدكم عن الذي أنفق ، ولا ينقص المعطى منه شيئا ، وذلك شأن المؤمن ، فإيمانه يدفعه إلى أن يخشى الله ، ويتقيه في كل أعماله وأحواله.