والمراد من ذكر الله الخطبة والصلاة جميعا ، لاشتمالهما عليه ، واستظهر بعضهم أنّ المراد به الصلاة ، وقصره بعضهم على الخطبة.
وقد ورد الذكر في الآية مطلقا غير محدود ، ومن أجل ذلك قال الحنفية : إنه لا يشترط في الخطبة اشتمالها على ما يسمّى خطبة عرفا ، لأنّ الله تعالى ذكر الذكر من غير تفضيل بين كونه طويلا أو قصيرا ، يسمى خطبة أو لا يسمى خطبة ، فكان الشرط هو الذكر مطلقا ، وما ورد من الآثار مشتملا على بيان الكيفية فهو يدل على السنية أو الوجوب ، ولا ينتهض دليلا على أنه لا يجوز إلا ذلك. ودونه تبطل الخطبة ، ولا تصح الصلاة ، بل هو اختيار للفرد الكامل من أفراد المطلق.
والشافعية يشترطون أن يأتي الخطيب بخطبتين مستوفيتين لشروط خاصة ، واستدلوا على ذلك بآثار وردت فيها ، فإن ثبتت هذه الأدلة ، وانتهضت دليلا لإثبات الشرطية ، فهي الدليل.
وقد جاء في الآية الأمر بالسعي ، والأمر للوجوب ، فيكون السعي واجبا ، وقد أخذوا من هذا أنّ الجمعة فريضة ، وذلك أنّه قد رتّب الأمر للذكر على النداء للصلاة ، فإذا كان المراد بالذكر هو الصلاة ، فالدلالة ظاهرة ، لأنه لا يكون السعي لشيء واجبا حتّى يكون ذلك الشيء واجبا.
وأما إذا كان المراد بالذكر الخطبة فقط فهو كذلك ، لأن الخطبة شرط الصلاة ، وقد أمر بالسعي إليه ، والأمر للوجوب ، فإذا وجب السعي للمقصود تبعا ، فما ذلك إلا لأن المقصود بالذات واجب ، ألا ترى أن من ارتفع عنه وجوب الجمعة لا يجب عليه السعي لها ، إذا فالسعي تابع لوجوب الجمعة ، والجمعة جاء طلبها ؛ والنكير على تركها في السنة ، وقد انعقد الإجماع على وجوبها بشروطها.
وقد أجمعوا على اشتراط العدد فيها ، بل هي ما سميت جمعة إلا لما فيها من الاجتماع ، وقد اختلف في أقلّ عدد تنعقد به الجمعة على أقوال كثيرة : ابتدأت من الاثنين إلى الثمانين ، ولقد قيل : إنه قد زادت الأقوال فيها على ثلاثة عشر قولا.
والكلام فيها من حيث التحديد ومن حيث الأدلة يرجع [فيه] إلى كتب الفقه وكتب السنة ، فإنّ الآية لم تعرض لشيء منها.
(وَذَرُوا الْبَيْعَ) المراد من البيع المعاملة ، فهو مجاز عن ذلك ، فيعم البيع والشراء والإجارة ، ولقد ذهب جماعة إلى أنّ الأمر للوجوب ، فيكون الاشتغال بهذه الأشياء محرّما.
وقال بعضهم : هو مكروه تحريما ، بل لقد زعم بعضهم أنّ الكراهة تنزيهية ، بناء على أنّ الأمر للندب ، ولم يرتضه كثير من العلماء ، وقد قالوا : إنّ التحريم يستمرّ إلى فراغ الإمام من الخطبة.