رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «مره فليراجعها ، ثم ليمسكها حتى تطهر ، ثم تحيض ، ثم تطهر ، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلّق قبل أن يمسّ ، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلّق لها النساء»
فبيّن النبي صلىاللهعليهوسلم أنّ العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء هي الطهر الذي بعد الحيضة ، ولو كان القرء هو الحيض كان قد طلقها قبل العدة ، لا في العدة ، وكان ذلك تطويلا عليها. ويشهد لهذا الذي ذهب إليه الشافعي قراءة ابن مسعود (فطلقوهن لقبل طهرهن).
وقال الذاهبون إلى أن الأقراء الحيض : إنّ أهل العربية يفرّقون بين لام الوقت وفي التي للظرفية ، فإذا أتوا باللام لم يكن الزمان المذكور بعدها إلا ماضيا أو منتظرا ، ومتى أتوا بفي لم يكن الزمان المجرور بها إلا مقارنا للفعل ، واعتبر ذلك في قولك : (كتبته لثلاث خلون) و (كتبته بثلاث بقين) و (كتبته في ثلاث) ففي المثال الأول تكون الكتابة بعد مضي الثلاث ، وفي المثال الثاني تكون الكتابة قبل حلول الثلاث ، وفي المثال الثالث تكون الكتابة في نفس الثلاث وفي أثنائها. إذا تقرر ذلك يكون قوله تعالى : (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) معناه فطلقوهن لاستقبال عدتهن ، لا في عدتهم ، إذ من المحال أن يكون الطلاق وهو سبب العدة واقعا في العدة ، وإذا كانت العدة التي تطلّق لها النساء مستقبلة بعد الطلاق ، فالمستقبل بعدها إنما هو الحيض ، فإنّ الطاهر لا تستقبل الطهر ، إذ هي فيه ، وإنما تستقبل الحيض بعد حالها التي هي فيها.
ولكن المعروف أن اللام إذا دخلت الوقت أفادت معنى التوقيت ، واختصاص بذلك الوقت على الاتصال ، لا استقبال الوقت ، فلا تقول : كتبته لثلاث بقين إلا إذا كنت حين الكتابة متلبسا بأولها ، فيكون معنى (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ) فطلقوهنّ للوقت الذي يشرعن فيه في العدة على الاتصال بالطلاق.
واستدل بعض الناس بالآية على أنّ نفس الطلاق مباح ، فإنّه إنما نهي عنه إذا كان سببا في تطويل مدة التربص ، فاقتضى ذلك أنه إذا خلا عن هذا لم يكن منهيا عنه ، بل كان مأذونا فيه ، ولا يخفى على المنصف أنّ الآية لم تدل على أكثر من حرمة الطلاق في الحيض.
(وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) أصل الإحصاء العد بالحصا ، كما كانت عادة العرب قديما ، ثم توسع فيه ، فاستعمل في ضبط العدد وإكماله ، فمعنى إحصاء العدة ضبطها وإكمالها ثلاثة قروء كوامل.
وإحصاء العدة واجب لإجزاء أحكامها فيها : من حق الرجعة للزوج ، والإشهاد عليها ، ونفقة الزوجة وسكناها ، وعدم خروجها من بيتها قبل انقضائها ، والإشهاد على فراقها إذا بانت ، وتزوج غيرها من النساء ممن لمن يكن يجوز له جمعها إليها.