٣ ـ أما غير الحنفية فإنّهم يقولون : إنّ قراءة الفاتحة على التعيين فرض لا تجزئ الصلاة بتركها ، أو بترك حرف منها ، ويقولون : إن الآية ـ وإن كانت مطلقة ـ قد قيدتها الأحاديث الصحيحة التي تدلّ على أنّ خصوص الفاتحة ركن. فمن ذلك :
١ ـ
ما رواه السبعة (١) عن عبادة بن الصامت أنّه عليه الصلاة والسلام قال : «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»
قال : النفي هنا يدلّ على انعدام الصلاة الشرعية ، لعدم القراءة فيها بالفاتحة ، ولا يكون عدم قراءة الفاتحة موجبا لانعدام الصلاة إلا إذا كانت الفاتحة من فرائضها.
قالوا : ولا يرد على هذا الدليل أنّه مشترك الدلالة وأنّه كما يصحّ أن يقدّر فيه متعلق الجار والمجرور الصحة حتى يكون المعنى : لا صلاة صحيحة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ، كذلك يصحّ تقديره بالكمال ، فيكون المعنى : لا صلاة كاملة إلخ ومثل هذا لا يصح به الاستدلال.
قالوا : لا يرد هذا : لأن الأصل في مثل هذا المتعلق أن يقدّر كونا عاما ، لعدم القرينة الدالة على الخصوص. فالمعنى : لا صلاة كائنة أو موجودة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ، وعدم الوجود شرعا هو عدم الصحة ، بل أقوى منه. ولو سلّم أنّه كون خاص ، فتقدير الصحة أولى ، لأن النفي متوجه في لفظ الحديث إلى ذات الصلاة ، وإذا كانت الذوات لا يصحّ أن يتوجه عليها النفي ، لأنّه من خواص النسب ، وتعذّر بذلك حمل اللفظ على حقيقته كان الحمل على أقرب المجاورين أولى ، وذلك بتقدير الصحة ، فإنّ ما ليس بصحيح أقرب إلى المعدوم مما ليس بكامل.
٢ ـ وما رواه الدار قطني (٢) عن عبادة بن الصامت أنّه عليه الصلاة والسلام قال : «لا تجزئ صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» فإنّ عدم الإجزاء ظاهر جدا في عدم الصحة.
٣ ـ وما رواه أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود عن أبي هريرة (٣) أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأمّ القرآن فهي خداج ، فهي خداج ، فهي خداج» الخداج بالكسر : النقصان مأخوذ من خداج الناقة ، وهو إلقاؤها ولدها قبل أوانه.
٤ ـ عمل النبيّ صلىاللهعليهوسلم فإنّه عليه الصلاة والسلام قد واظب على قراءة الفاتحة في كل صلاة من غير ترك ، فلو لا أنّها ركن لتركها ولو مرة تعليما وتشريعا.
هذه أدلة الفريقين تجدها في ظاهرها متعارضة ، فكان لا بدّ من النظر فيها.
__________________
(١) سبق تخريجه.
(٢) رواه الدار قطني في سننه (١ / ٣٢٢).
(٣) سبق تخريجه.