روى البيهقي وسعيد بن منصور عن عمر رضي الله عنه قال : ما من حال يأتيني عليه الموت بعد الجهاد في سبيل الله أحبّ إليّ من أن يأتيني وأنا بين شعبتي جبل ألتمس من فضل الله تعالى ، وتلا هذه الآية (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ) إلخ.
وعن ابن مسعود أنه قال : أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا فباعه بسعر يومه كان عند الله بمنزلة الشهداء ، ثم قرأ : (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ).
(فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) أعيد هنا هذا الأمر لتوكيد الرخصة وتقديرها ، وليعطف عليه ما بعده من بقية الأوامر.
(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) اختلف المفسرون في المراد بالصلاة والزكاة هنا ، فمنهم من حمل الصلاة على المكتوبات الخمس ، والزكاة على زكاة الفطر ، قال : لأن الآية مكية ، وزكاة المال لم تفرض إلا في المدينة.
وهذا القول مردود من وجهين :
الأول : أنّ زكاة الفطر لم تجب إلا بعد الهجرة.
الثاني : أنّ الراجح في زكاة المال أنّها فرضت في مكة. غير أنه لم يعيّن فيها نصاب خاصّ ، ولم تحدد الأنواع التي تجب فيها الزكاة ؛ ولا القدر الواجب صرفه للفقراء ، إلا في المدينة ، فكان الواجب أول الأمر أن يصرف للفقير شيء ما من المال ، ويدل لذلك أنّ الزكاة وردت في آيات كثيرة مكية ، كما في صدر سورة المؤمنون.
على أنّ هذا التفسير لا يتم في الصلاة إلا على القول بأنّ هذه الآية قد تأخّر نزولها عن صدر السورة بعشر سنين أو أكثر ، حتى فرضت المكتوبات ليلة المعراج.
وبعضهم : حمل الصلاة على المكتوبات أيضا والزكاة على زكاة المال ، وفهم كذلك أنّ زكاة المال فرضت في المدينة ، فالتزم القول بأنّ هذه الآية مدنية.
وهو مردود أيضا بما سبق ، وبأنّ الراجح ـ كما علمت أول الكلام على صدر سورة المزمل ـ أنّ هذه السورة برمتها مكية.
وبعضهم حمل كلّا من الصلاة والزكاة على التطوع قال : لأنّ سورة المزمل من أوائل ما نزل من القرآن ، والمكتوبات الخمس لم تفرض إلا ليلة المعراج في السنة الثانية عشرة من البعثة ، وقال في الزكاة ما قاله صاحب الوجه الأول.
والحق الذي يتمشّى مع الراجح في تاريخ شرعية الزكاة ، ويتفق مع ما تقدم لك